تعد مشكلة عدم قدرة ملايين المرضى على الحصول على خدمات طب الأسنان والوصول إلى طبيب الأسنان التابع لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، إحدى أقدم أشكال الظلم في تاريخ الخدمة الصحية، فالأثر المدمر لهذا الظلم عميق وموثق بقوة، وغالباً ما يعد اللجوء إلى طبيب خاص الخيار الوحيد المتاح، سواء كان الأمر يتعلق بفحص أو تنظيف أو تلميع أو حشو أو خلع، وحتى علاج قناة الجذر عند الحاجة، فإن العديد من الأفراد مستعدون لدفع المال من أجل الحفاظ على صحة أسنانهم.
ارتفاع رسوم رعاية الأسنان الخاصة
ومؤخراً، بدأ يظهر نوع جديد من الرعب في مجال رعاية الأسنان، فعلى الرغم من خدمات هيئة الخدمات الصحية الوطنية، يبدو أن رعاية الأسنان الخاصة تواجه تحديات متزايدة، فقد أظهرت دراسة حديثة أن تكاليف العلاجات الخاصة شهدت ارتفاعاً ملحوظاً، حيث ارتفعت الرسوم الخاصة بالعلاجات غير الجراحية بنسبة تصل إلى 32% خلال عامين فقط.
كما أكدت الدراسة أن أطباء الأسنان في القطاع الخاص يستغلون نقص العلاجات المتاحة عبر هيئة الخدمات الصحية الوطنية، ما أدى إلى زيادة الرسوم بطريقة مذهلة للحشوات والفحوصات وعمليات الخلع.
وفقاً لهذه الزيادة، قد يضطر المرضى إلى دفع 325 جنيهاً إسترلينياً مقابل حشوة بيضاء، و435 جنيهاً إسترلينياً لخلع السن، وفي بعض الحالات يصل تكلفة علاج قناة الجذر إلى 775 جنيهاً إسترلينياً، وهذا يشير إلى أن ملايين الأشخاص قد يتعرضون لضغوط مزدوجة في عام 2025: عدم قدرتهم على الحصول على رعاية الأسنان من هيئة الخدمات الصحية الوطنية، فضلاً عن عدم قدرتهم على تحمل تكاليف علاج طب الأسنان الخاص.
وحذرت مجموعات المرضى من أن الكثير من الأفراد الذين يعانون من مشكلات في الأسنان يجدون أنفسهم محرومين من الرعاية تماماً، بسبب صعوبة الوصول إلى خدمات هيئة الخدمات الصحية الوطنية وارتفاع تكاليف العلاج الخاص.
تعليقاً على الموضوع، قالت راشيل باور، الرئيسة التنفيذية لجمعية المرضى: “بالنسبة لأولئك الذين يجدون صعوبة في الحصول على رعاية الأسنان من هيئة الخدمات الصحية الوطنية، وللذين يلجؤون للعلاج الخاص، فإن الزيادة الكبيرة في التكاليف تجعل هذه الرعاية الأساسية بعيدة المنال بالنسبة للكثيرين”.
وأضافت: “هذا يخلق حلقة مفرغة خطيرة، حيث يتنقل المرضى بين نظام هيئة الخدمات الصحية الوطنية الذي يبدو غير متاح، والعلاج الخاص المكلف، بينما تتدهور صحتهم الفموية، الحقيقة المؤلمة هي أن العديد منهم لا يجدون سبيلاً حقيقياً للحصول على علاج الأسنان الأساسي”.
وبالطبع، يواجه الكثيرون الذين حُرموا من رعاية الأسنان في هيئة الخدمات الصحية الوطنية صعوبة في تحمل تكاليف العلاج في القطاع الخاص، وكشف استطلاع حديث من مؤسسة هيلث واتش أن واحداً من كل خمسة أشخاص، واثنان من كل خمسة من ذوي الدخل المنخفض، يتجنبون زيارة طبيب الأسنان في إنجلترا بسبب الأسعار المرتفعة.
نتيجة لذلك، يقضي البعض سنوات طويلة دون تلقي العناية اللازمة، بينما يعاني آخرون من آلام رهيبة بسبب عدم علاج مشاكلهم، وبعضهم يحاول حتى معالجة أسنانهم بأنفسهم.
من جانبها، صرّحت لويز أنصاري، الرئيسة التنفيذية لمنظمة Healthwatch، بأن البحث حول تكاليف العلاج الخاص يكشف عن واقع مقلق بشأن إمكانية الوصول إلى رعاية الأسنان، خصوصاً لمن لا يمتلكون الموارد المالية الكافية، ويأتي ذلك في ظل الفشل المستمر لجهود الحكومة السابقة في تحفيز أطباء الأسنان لتقديم خدماتهم لمرضى جدد في هيئة الخدمات الصحية الوطنية.
ومن هذا المنطلق، هناك حاجة ملحة لإجراء تغييرات جذرية في نظام طب الأسنان داخل الهيئة لتحسين فرص الوصول إلى الرعاية، وتفادي دفع الأفراد نحو خيار مرير يتمثل في العيش مع مشاكل صحية فموية أو الانغماس في ديون ضخمة لتغطية تكاليف العلاج الخاص.
وتشير الدراسات الاستقصائية إلى أن معظم البالغين يرغبون في إمكانية التسجيل الدائم لدى طبيب أسنان محلي تابع لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، تماماً كما يمكنهم التسجيل لدى عيادة طبيب عام، ومع ذلك، فقد تم إلغاء هذا الحق في عام 2006.
ويعبر معظم الخبراء عن اعتقادهم بأن العقد الحالي بين الحكومة وأطباء الأسنان في إنجلترا يعاني من الفشل، وينبغي أن يتم إلغاؤه.
وتشير جمعية طب الأسنان البريطانية، التي تمثل أطباء الأسنان، إلى أن بعض أعضائها اضطروا لرفع الرسوم الخاصة بهم كوسيلة لتعويض الخسائر الناتجة عن مرضى هيئة الخدمات الصحية الوطنية، وتوضح الجمعية أن الأموال التي يحصل عليها أطباء الأسنان من الحكومة مقابل تقديم خدماتهم لا تكفي لتغطية نفقاتهم وتكاليفهم التشغيلية.
كما تبرز الجمعية أن الضغوط التضخمية، مثل ارتفاع أسعار الطاقة والمعدات، قد تكون سبباً في زيادة الرسوم الخاصة، وتطالب الجمعية بعقد جديد يكرّم الأطباء الذين يسهمون في الوقاية من مشاكل الأسنان قبل حدوثها.
تعاني هيئة الخدمات الصحية الوطنية أيضاً من أزمة توظيف، ما أدى إلى وجود عدد أقل من الأطباء بتخصص طب الأسنان المتاحين لفحص المرضى، رغم الزيادة السكانية، حيث كان عدد أطباء الأسنان العاملين في الهيئة في إنجلترا أقل بـ 483 طبيباً في العام الماضي مقارنةً بعام 2019-2020.