بين أمواج التغيرات العالمية ورياح التحولات السياسية، تقف بريطانيا اليوم على مفترق طرق اقتصادي مصيري، أمام قرار ليس كأي قرار؛ بين أن تُحلّق في فضاء الحرية الاقتصادية بالنموذج الأمريكي، أو أن ترسو على شاطئ الاشتراكية الأوروبية، حيث الاقتصاد الموجه بمعايير اجتماعية أكثر تقيداً.
التصريحات الأخيرة للمستشار الاقتصادي ستيفن مور ألقت حجراً في مياه هذا النقاش المتوتر، مشيراً إلى أن المملكة المتحدة تواجه خياراً استراتيجياً قد يعيد رسم معالم علاقتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
قرارٌ يحمل في طياته تداعيات تتجاوز حدود التجارة إلى عمق الهوية الاقتصادية الوطنية، فهل ستغتنم بريطانيا فرصة الانفتاح على النموذج الأمريكي، بكل ما يحمله من وعود بالنمو والمرونة؟ أم أنها ستختار أمان النموذج الأوروبي، متكئة على توازناته الاجتماعية وسياساته التنظيمية؟
وفي التفاصيل، قال ستيفن مور (Stephen Moore)، المستشار الاقتصادي البارز للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب (Donald Trump)، إن المملكة المتحدة يجب أن تختار بين النموذج الاقتصادي الأمريكي القائم على «الحرية الاقتصادية» والنظام الأوروبي «الأكثر اشتراكية» على حد قوله، وجاءت هذه التصريحات في ظل تصاعد التكهنات حول شروط صفقة تجارية محتملة بين البلدين.
وفي حديثه لبرنامج “Today” عبر إذاعة BBC صرّح مور: «على المملكة المتحدة أن تختار بين النموذج الاقتصادي الأوروبي الأكثر اشتراكية والنموذج الأمريكي القائم على نظام حر. أعتقد أن بريطانيا ستكون في وضع أفضل إذا اتجهت نحو النموذج الأمريكي».
وأضاف مور أن تبني المملكة المتحدة للنموذج الأمريكي قد يعزز رغبة إدارة ترامب في إبرام اتفاقية تجارة حرة بين البلدين، ما سيحقق منافع مشتركة.
اقرا أيضاً: أصداء متناقضة في بريطانيا: ماذا يعني فوز ترامب؟
وواجهت المحاولات السابقة لإبرام اتفاقية تجارية بين البلدين خلافات حول معايير الزراعة، مثل مسألة الدجاج المعالج بالكلور واللحوم المعالجة بالهرمونات، وعلّق مور على ذلك قائلاً: «نمتلك أفضل مراكز زراعية في العالم، لكنني أفهم أن هذا الموضوع يثير قلقاً كبيراً لدى البريطانيين».
كما أشار مور إلى اقتراح ترامب فرض تعريفات جمركية شاملة بنسبة 10% على جميع الواردات، مشيراً إلى أنها تحظى بشعبية كبيرة بين الناخبين الأمريكيين، ومع ذلك، لم يستبعد إمكانية إعفاء دول معينة، بما في ذلك المملكة المتحدة، بسبب العلاقات المميزة بين البلدين.
وأكد مور على خصوصية العلاقة الأمريكية البريطانية قائلاً: «لدينا علاقة خاصة مع بريطانيا، ويرى معظم الأمريكيين، بمن فيهم ترامب، بريطانيا بشكل مختلف تماماً عن الصين أو دول أخرى تُعتبر خصماً للولايات المتحدة».
ومن جانبه، أكّد بيتر ماندلسون (Peter Mandelson)، المرشح ليصبح السفير البريطاني الجديد في واشنطن، في تصريحات لصحيفة The Times: «يجب على المملكة المتحدة بناء علاقات تجارية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في آنٍ واحد. لا يمكننا تجاهل السوق الأوروبية، وهي أكبر سوق تصدير لنا».
فيما شدد آندي هالدين (Andy Haldane)، وهو كبير الاقتصاديين السابق في بنك إنجلترا، على أهمية أن تُظهر المملكة المتحدة انفتاحها على التجارة الدولية قائلاً: «يمكن للحكومة أن تثبت أن بريطانيا مفتوحة للأعمال التجارية، خصوصاً في وقت يتجه فيه العالم نحو الانغلاق سواء نحو الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة».
اقرأ أيضاً: «الطاغية» أصبح «كريماً».. لامي يسحب كلامه بعد فوز ترامب!
يشار إلى أن مؤسسة غولدمان ساكس المالية الأمريكية كانت قد خفضت توقعاتها لنمو الاقتصاد البريطاني لعام 2025 من 1.6% إلى 1.4%، مشيرةً إلى مخاطر التعريفات الجمركية الأمريكية المرتفعة.
وكان قد أصدر قسم الأبحاث في «ستاتيستا» تقريراً بتاريخ 6 نوفمبر 2024، يسلط الضوء على أبرز القضايا التي تشغل الرأي العام في المملكة المتحدة حالياً، وأظهر أن الاقتصاد وأزمة غلاء المعيشة تشكل الشغل الشاغل لنحو 50% من البريطانيين، حيث تواجه البلاد أزمة غلاء معيشة ناجمة عن ارتفاع معدلات التضخم، وهذه الأزمة أصبحت مصدر قلق دائم للمواطنين.
ورغم الجهود الحكومية المبذولة، إلا أن النمو الاقتصادي ما زال بطيئاً، حيث شهدت نهاية عام 2023 ركوداً اقتصادياً أعقبه تحسن طفيف مع بداية عام 2024، ليعود الركود بقوة إلى الواجهة الآن…
اقرأ أيضاً: ما الذي يشغل بال البريطانيين في 2024؟