في ظل التحديات الاقتصادية المتصاعدة والتحوّلات الجذرية التي يعيشها قطاع التجزئة في بريطانيا، باتت أخبار إغلاق المتاجر العريقة تتواتر بشكل لافت في المملكة المتحدة.
حيث أعلنت عدد من كبرى السلاسل التجارية عن خططها لإيقاف نشاط عشرات الفروع خلال الأشهر المقبلة، في خطوة تُعزى إلى تداعيات تصاعُد النفقات التشغيلية، وتحوّلات جذرية في أنماط الاستهلاك، فضلًا عن المنافسة الحادة من منصات التجارة الإلكترونية التي استقطبت شريحة واسعة من العملاء على حساب المتاجر التقليدية.
ومن بين هذه المتاجر، نجد نيو لوك (New Look) التي أعلنت عن إغلاق أحد فروعها في بورت (Porth) بمنطقة روندا سينون تاف (Rhondda Cynon Taf) في 22 فبراير، فيما أكدت دوبيز (Dobbies) على إغلاق فرعها في إيلزبري (Aylesbury) بنهاية فبراير، وتلت ذلك خطة لإغلاق فرعها في نورثامبتون (Northampton) في 2 مارس، بعد أن أغلق فرعها في ليستر (Leicester) في 14 فبراير.
اقرأ أيضاً: تجار التجزئة أمام إغلاق مزيد من المتاجر عام 2025
وفي سياق متصل، تواجه هومبيس (Homebase) وضعًا حرجًا بعد إعلانها عن إغلاق 33 فرعًا خلال شهر فبراير الجاري، وهو القرار الذي جاء عقب انهيار الشركة في نوفمبر 2024.
وقد أدت الظروف الاقتصادية الصعبة إلى تسريع وتيرة الإغلاقات، إذ أبرمت مجموعة (CDS)، المالكة لسلسلة ذا رينج (The Range)، صفقة للاستحواذ على حوالي 70 متجرًا، بينما انتقلت بعض الفروع إلى كيانات تجارية أخرى مثل سينسبري (Sainsbury’s) وبي أند كيو (B&Q)، فيما سيظل البعض الآخر مغلقًا إلى الأبد.
ولم تتوقف موجة الإغلاقات عند هذا الحد، إذ أعلنت دبليو إتش سميث (WHSmith) عن إغلاق أربعة فروع في تواريخ محددة، حيث تشمل هذه الفروع فرع ونتون (Winton) في بورنموث (Bournemouth)، وفرع رايل (Rhyl) في دينبايثشير (Denbighshire)، وفرع بولتون (Bolton) في منطقة جريتور مانشستر (Greater Manchester)، إضافة إلى فرع نيو تاون (Newtown) في باو (Powys)، كما قررت هوليستر (Hollister) إغلاق أحد فروعها في أبردين (Aberdeen) في 28 فبراير.
اقرأ أيضاً: أفضل متاجر الأثاث في لندن 2025
وتأتي هذه القرارات بالتزامن مع اعلان الحكومة البريطانية عن رفع نسبة اشتراك التأمين الوطني لأصحاب العمل من 13.8% إلى 15% اعتبارًا من أبريل 2025، إلى جانب خفض العتبة المالية لبدء السداد من 9,100 جنيه إسترليني سنويًا إلى 5,000 جنيه إسترليني.
وأثارت هذه الإجراءات جدلًا واسعًا في الشارع البريطاني كونها تزيد من أعباء التكاليف على الشركات، وتأتي في توقيت حرج يعاني فيه القطاع أصلاً من تراجع الإقبال على المتاجر الفعلية بسبب نمو التجارة الإلكترونية، وتآكُل القدرة الشرائية للمستهلكين جراء أزمة غلاء المعيشة.
وتُظهر الأرقام الصادمة حجم التداعيات: فقد أُغلق 13,479 متجرًا خلال عام 2024 (ما يعادل 37 متجرًا يوميًا)، مع توقعات بتجاوز الإغلاقات 17,000 متجر بنهاية 2025.
ولم تعد علامات تجارية راسخة مثل نيو لوك ودوبيز وهومبيس ودبليو إتش سميث قادرة على الاعتماد على مكانتها السابقة في سوق تشهد منافسة غير مسبوقة، ما يضع مصيرها مرهونًا بقدرتها على إعادة تشكيل نموذج عملها.
اقرأ أيضاً: سرقة المتاجر تنتشر في هذه المدينة البريطانية!
وفي هذا السياق، أصبحت الحاجة إلى الابتكار والمرونة ملحة أكثر من أي وقت مضى، فمع تحوُّل شريحة متزايدة من المستهلكين إلى التسوق عبر الإنترنت، وتراجع حركة المرور في الشوارع التجارية بسبب العمل عن بُعد، يتوجب على المتاجر الباقية تعويض الفجوة عبر تحسين تجربة الزبون داخل المتجر، أو دمج حلول رقمية تواكب تفضيلات العصر.
ولا تقتصر التحديات على الجانب اللوجستي فحسب، بل تمتد إلى ضرورة إعادة هيكلة الاستراتيجيات التسويقية لاستقطاب شرائح جديدة، أو حتى التحوُّل الجزئي نحو المنصات الإلكترونية.
ورغم الآثار السلبية لهذه التحولات على الاقتصادات المحلية والوظائف التقليدية، إلا أنها تخلق فرصًا للتجديد، فبعض العلامات التجارية بدأت تعيد توجيه استثماراتها نحو تعزيز وجودها الرقمي، أو تصميم مساحات متاجرها لتكون أكثر جذبًا كوجهات تجربة (كعرض منتجات متخصصة أو خدمات مُميزة).
وقد تشكل هذه الخطوات بداية لمرحلة جديدة في تاريخ التجزئة، حيث تصبح البقاء للأكثر تكيُّفًا مع إيقاع التغيرات السريعة، سواء في سلوك المستهلك أو السياسات الاقتصادية التي تُعيد تشكيل قواعد اللعبة.
اقرأ أيضاً: منع الهواتف الذكية في مدارس لندن يطال الآلاف
اقرأ أيضاً: 200 باوند من الحكومة البريطانية لمواجهة غلاء المعيشة.. كيف تحصل عليها؟
اقرأ أيضاً: نصائح لتوفير 540 جنيهاً سنوياً على حليب الأطفال في بريطانيا