بينما يستعد دونالد ترامب للعودة إلى البيت الأبيض، تواجه المملكة المتحدة تحدياً دقيقاً في الحفاظ على توازن استراتيجي بين حليفين كبيرين وفق ما يتداول كثيرون، وهما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.. فأيهما ستختار بريطانيا؟ وما رأي رئيس الحكومة كير ستارمر في هذه المسألة؟
رفض رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أي اقتراح يفيد بأن المملكة المتحدة يجب أن تختار بين تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وفي تصريح له، قال ستارمر إن حكومته «لن تبتعد أبداً» عن شراكتها مع الولايات المتحدة، كما وعد بتعزيز الروابط مع أوروبا، مضيفاً أن العالم يواجه «أوقاتاً خطيرة»، مشيراً إلى أن الاستقرار يعدّ أمراً بالغ الأهميّة للنمو، وأنّ المملكة المتحدة يجب أن تواصل دعم أوكرانيا ضد روسيا.
وفي السياق نفسه، قال ستيفن مور في الشهر الماضي، وهو أحد المقربين من دونالد ترامب، إن بريطانيا ستكون مضطرة للاختيار بين العلاقة «الاستثنائية» مع الولايات المتحدة وتقوية الروابط مع الاتحاد الأوروبي، الذي وصفه ترامب بـ «الصين الصغيرة».
وتعليقاً على خطاب رئيس الوزراء، قال ديفيد مانينغ، السفير البريطاني السابق في الولايات المتحدة، إن رئيس الوزراء اتبع «النهج الصحيح»، ولكنه حذر من أنه لن يكون «سهلاً»، وأضاف أنه سيكون «من الضروري توجيه المصالح بين القطبين»، مشيراً إلى أنه «لا جدوى من التظاهر بالتوافق» في قضايا مثل أوكرانيا والشرق الأوسط، قائلاً إن المملكة المتحدة ستكون مضطرة للاستجابة لما يفرضه ترامب.
اقرأ أيضاً: هل سينجح ستارمر بإقناع الخليج باتفاق تجاري؟
وخلال حديثه في مأدبة عشاء رئيس بلدية لندن، التي تقام سنوياً في قاعة المدينة بلندن، أكد زعيم حزب العمال ستارمر أن المملكة المتحدة ستظل «واقفة بكل فخر على الساحة العالمية»، وقال: «في ظل هذه الأوقات الخطيرة، فإنّ فكرة أننا يجب أن نختار بين حلفائنا، إما مع أمريكا أو أوروبا، هي فكرة خاطئة تماماً».
وأضاف: «أرفض هذا تماماً»، مؤكداً أن «المصلحة الوطنية تتطلب منا العمل مع كلا الطرفين»، وأنه «لا يوجد نمو بدون أمن، ولا أمن بدون تحالفات».
وفيما يتعلق بتوقعات الحكومة الخاصة بعودة ترامب إلى الرئاسة، يُعتقد أن هناك تفاؤلاً حذراً بشأن شكل العلاقة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة في المستقبل، وأوضح رئيس الوزراء أن المملكة المتحدة ستستثمر بشكل أكبر من أي وقت مضى في العلاقة العابرة للأطلسي مع الولايات المتحدة في السنوات القادمة.
وأضاف أن رئيس الوزراء الأمريكي المنتخب كان «رائعاً»، مشيراً إلى لقائه معه في نيويورك في أيلول/سبتمبر، كما قال إنه أخبر ترامب بأن المملكة المتحدة «ستستثمر أكثر من أي وقت مضى في هذه العلاقة العابرة للأطلسي مع أصدقائنا الأمريكيين».
وفي سياق العلاقات الثنائية، أشار مسؤولون إلى أن العشاء الذي جمع ترامب، وستارمر، وديفيد لامي في برج ترامب بنيويورك كان «دافئاً حقاً»، حيث بدا أن هناك تقديراً حقيقياً للمملكة المتحدة، حيث أن والدته كانت قد وُلدت في اسكتلندا.
لكن المسؤولين أقل يقيناً بشأن كيفية تصرف ترامب تجاه المملكة المتحدة إذا اتخذت الحكومة قرارات اقتصادية ودبلوماسية قد لا توافق عليها، مثل التقارب مع الاتحاد الأوروبي أو تعزيز العلاقة مع الصين.
وأشار مصدر حكومي بارز إلى أن ترامب «يكره الاتحاد الأوروبي بشدة»، وقد رشح ترامب رجل الأعمال الأمريكي وارن ستيفنز ليكون سفيراً للولايات المتحدة في المملكة المتحدة، وفي خطابه، جدد رئيس الوزراء وعده بإعادة بناء وتجديد الروابط مع أوروبا، التي وصفها بأنها «حيوية» لأمن المملكة المتحدة وازدهارها، وقال إن «من مصلحتنا الوطنية دعم أوكرانيا ضدّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأن مستقبل الحرية في أوروبا يتقرر اليوم».
اقرأ أيضاً: هل ستغير زيارة ستارمر إلى بروكسل نهج «بريكست»؟
كما أشار إلى أن المملكة المتحدة «عازمة على القتال بشكل أقوى على الساحة العالمية من أجل مصالحنا الوطنية ومستعدة للتضحية أكثر من أجل الدفاع عنها»، مؤكداً أنه لا بدّ من الاستمرار في دعم أوكرانيا بما يتطلبه الأمر «لدعمه في دفاعه الذاتي طالما تطلب الأمر».
وقال إنّ دعم الحلفاء كان ما فعله رئيس الوزراء البريطاني السابق كليمنت أتلّي ورئيس الوزراء الأسبق وينستون تشرشل، مؤكداً أنه «رأى أن الحفاظ على القوات في الخارج كان أساس النجاح في الداخل».
هذا ويرى المحللون أن كل ما يقال الآن سيختبر في كانون الثاني/يناير من العام القادم 2025 إذا فرضت الولايات المتحدة ضرائب على السلع الأوروبية وطالبت القارة بالتجارة بشكل أقل مع الصين، بينما تضغط على أوكرانيا لتسليم أراضٍ.