من الجوع ونقص الأغذية والأدوية وكارثة الإنهيار العظمى إلى الحلم الموعود بنهضة المليارات وعودة الإمبراطورية، تدخل بريطانية عامها الثالث في نفقها المظلم؛ الجميع مستمتع بالظلام، كلهم، محافظين وعمال، يمين ويسار، تقليدي وُمجّدد يخشون الضوء الذي قد يضعهم خارج المعادلة السياسية في آخر النفق، لعبة عض الأصابع بين الأحزاب المتنافسة تحولت لكسر عظام داخل أعضاء الحزب الواحد، والإختلاف في وجهات النظر لم يعد يفسد للود قضية فقط، كما يدعِ المثل العربي بل أصبح يفسد القضية نفسها، فالأخ لم يعد يحتمل أخاه، جو جونسون، وزير الجامعات والعضو في البرلمان البريطاني، استقال من الحكومة احتجاجاً على سياسة أخيه، وشقيقته راشيل قالت أنها تقف ضده، وأنها تعمل ضد الخروج من الاتحاد الأوروبي، قائلة : “لقد أصبح أخي بوريس وحيداً، كل العائلة ضده”.
رغم ذلك مازال رئيس الوزراء بوريس جونسون ومعه صقور المحافظين مصممون أن “بريكست هو الحل” لنهضة شاملة على الطريقة الترامبية الأمريكية “أفضل النتائج بأسوء الطرق”، فخُلع بريكسيت هو العصا السحرية لكل الأزمات التي حدثت ولم تحدث، من ال NHS فخر أنظمة التأمين الطبي الذي يتداعى أمام الجميع إلى الإقتصاد المتأزم وملف الهجرة المعقد؛ الخروج الحاد بلا إتفاق، حسب رأي المغرمين ببريكست، يعتبر الصدمة الإيجابية التي طال انتظارها، المليارات التي على بريطانية دفعها للإتحاد مقابل طلاق محترم ستتحول للداخل البريطاني.
بالمقابل، وكما يقول المثل الخليجي، ” يلي ما يعرف الصقر يشّويه ” فالمعارضة الواسعة غير المتجانسة التي امتدت من حزب العمال المعارض إلى المنشقين والمطرودين من حزب المحافظين الحاكم، مضافاً لهم، رافضي بريكسيت، كارهي جونسون والمتوجسين من طلاق عنيف يورث الأحقاد من الإتحاد، يضعون رئيس الوزراء “بوجو” على نار هادئة، في مشهد سياسي يصلح كمسرحية كوميدية ل” شاعر الوطنية” وليم شكسبير، فحلم رئيس الوزراء الأكبر، اليوم، هو أن يتم عزله من برلمان أمتلكت المعارضة عن طريق الصدفة الأغلبية به، وتخشى أن تفقدها عن طريق إنتخابات عامة مبكرة، الإستهزاء وصل إلى الحد الذي نشرت فيه صحيفة ”صن“ رأس كوربن زعيم المعارضة بجسد دجاجة مع تعليق : ”هل هذه هي أخطر دجاجة في بريطانيا ؟ وعنونت ”ديلي ميل“ قائلة ”كوربن الدجاجة يهرب من الانتخابات“، لكن كوربن، لم يجد نفسه أكثر سعادة من هذه الأيام، فدجاجة منتصرة خير من صقر ُمنتحر، فهو مدرك أنه كغيره من سياسي اللحظة يصرخون بالمصالح الوطنية العليا ويسعون لمجد شخصي ينسيهم ضوضاء التفاصيل الصغيرة، التي بسببها لم يعد أحد يسمع الجملة الأشهر في عاصمة القرار البريطاني، لندن، “Mind The Gap”، وأن الفجوة تتسع لتحول ما تبقى من بريطانية العظمى (The Great British) إلى إنكلترا الصُغرى (Little England).