الحياة في بريطانيا
تجارب الزواج العربية في بريطانيا.. عقود صورية لشرعنة الإقامة وصفقات مشبوهة!
نشر
منذ سنة واحدةفي
1٬585 مشاهدة
By
Fatimaفي عصور سابقة وضاربة في القِدم، كان التقاء الثقافات والعادات الاجتماعية بين الأمم والشعوب والحضارات، أمراً بالغ الصعوبة بمكان؛ فقد كانت قارات العالم وحدودها منغلقة على محيطها، وكان النسيج المجتمعي لسكانها في معزل عن الدمج والاختلاط حتى ضمن الحدود الضيقة للتجمعات البشرية المحلية، ومع تطلع العالم للبحث والاستكشاف بفعل تأمين ضرورات الحياة ومقوماتها، بدأت الهجرات والتنقلات الفردية والجماعية تتوالى، ليبدأ التقاء الثقافات في الظهور كنتيجة طبيعية للهجرة والتجارة إلى جانب الغزوات والحروب، ومن ثم، انطلقت الحضارات المجتمعية لتتعرف على بعضها البعض، وتتبادل الأفكار والمعارف والتقاليد، وكان الزواج أحد أهم المظاهر الاجتماعية المحددة لطبيعة الفروق الجوهرية بين ثقافة وأخرى؛ حيث وجد أن ثقافة الزواج وطقوسه وعاداته وطبيعة التعامل معه والنظرة إليه، تختلف من ثقافة لأخرى، ومن بلد إلى آخر.
كتب: محسن حسن
وفي ظل الانفتاح الكبير الذي أسست له العولمة الأممية والطفرات التكنولوجية في التواصل بين شعوب العالم الحديث، والتي ظهرت معها الميديا بطغيانها وانتشارها، ووسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت باستحواذها الصارخ على عقل الإنسان وفكره، أصبح من السهل جداً أن تلتقي في مكان واحد، ثقافات الزواج الوافدة من بيئات جغرافية متباعدة، سواء بشكل واقعي ميداني وجهاً لوجه، أو بشكل افتراضي عن بعد، عبر سلكيات ولاسلكيات المرئي والمكتوب والمسموع. وتعد بريطانيا مثالاً ثرياً وحاضراً يمكن الاستدلال به في هذا السياق.
وبحسب الإحصائيات الرسمية للحكومة البريطانية، يعيش في المملكة المتحدة أكثر من 9 ملايين شخص، ممن لديهم جنسية غير بريطانية، ويشكلون حوالي 14% من إجمالي سكان المملكة المتحدة، وتشكل جنسيات الهند وباكستان وبنغلاديش ونيجيريا وبولندا أكبر نسبة من الجنسيات الوافدة والمستقرة هناك، في حين تفتقر الجالية العربية للإحصائيات الرسمية الدقيقة من قبل الحكومة البريطانية، ومع ذلك، فإن العرب يشكلون جزءً من المجتمع المتعدد الثقافات، سواء من مواطنين بريطانيين من أصل عربي، أو مهاجرين عرب ولاجئين وطلاب وزوار. وهم يتوزعون في بريطانيا على نطاق واسع، ويتركز بعضهم في مدن مثل لندن وبرمنغهام وليفربول ومانشستر وغيرها، و ويتمتعون بتنوع كبير في اللغات والثقافات والديانات، كما أنهم جاءوا من مختلف الدول العربية كالعراق وسوريا ولبنان والأردن ومصر والسعودية والإمارات وغيرها.
وتعد تجارب الزواج العربية في بريطانيا، من بين المظاهر الاجتماعية التي يحيط بها الكثير من التفاصيل والمفارقات ووجهات النظر والدروس المستفادة، كما أنها في بعض الأحيان تشكل بعداً من أبعاد التقاء ثقافتين مختلفتين، وترسم من خلاله نمطاً خاصاً، إما للحياة الزوجية بين طرفين متوافقين رغم اختلافهما في النشأة والتربية والثقافة، أو لحياة أخرى مختلفة ملؤها التناقض وعدم القدرة على التعايش والاحتواء والتلاقي مع الآخر المختلف فكراً وثقافة وربما لغة وحديثاً، وبين هذا وذاك، قد تعترضنا تجارب أخرى ناجحة أو فاشلة، شكلت المصلحة خلالها الأساس في التقاء طرفيها، وفي كل تلك التجارب، نلمس خطوطاً جوهرية فاصلة بين النظرة الإنجليزية للزواج، والنظرة العربية أو الإسلامية له، وهي الفوارق التي غالباً ما تكون خفية في بداية العلاقة بين طرفين، بينما لا تلبث أن تلقي بظلالها بعد ذلك على مجمل التفاصيل العامة والخاصة للحياة الزوجية، ورغم نجاح بعض تجارب العرب في الزواج من بريطانيات، إلا أن غالبية التجارب أثبتت الأثر السلبي لتلك الفوارق المشار إليها، وتكفي الإشارة في هذا السياق، إلى أن بعض الزيجات انتهت بالانفصال والحرمان من الأبناء، لمجرد أن الزوجة لا يروق لها طريقة تحدث زوجها باللغة العربية!!
أرقام صادمة
وبنظرة مدققة لنوعية الفوارق الجوهرية بين الثقافتين العربية والإنجليزية بالنسبة للحياة الزوجية، سنجد أنها دوماً متأثرة بالاختلافات الثقافية والاجتماعية والدينية والتاريخية التي تميز كلاً منهما؛ فعلى سبيل المثال، يعد الزواج في الثقافة العربية أمرًا مهماً جدًا ويشارك فيه العائلة والمجتمع بشكل كبير، حيث يتم اختيار الزوج أو الزوجة بعناية وفقًا للتقاليد والقيم الاجتماعية والدينية، بينما في الثقافة الإنجليزية، يعد الزواج أمرًا شخصيًا جداً وقرارًا يتخذه الزوجان بشكل فردي دون تدخل كبير من العائلة أو المجتمع، ويتداخل الدين بشكل أساسي في قيم الزواج العربي، فيتم الاحتفاظ بالتقاليد والعادات الدينية ولا يمكن تجاوزها، في حين يمكن في الثقافة الإنجليزية أن يتم الزواج بموجب القانون المدني أو الديني أو كلاهما، وفي الوقت الذي تحرص فيه الثقافة العربية على وجود الخِطبة قبل الزواج بفترة طويلة، لكي يتعارف الزوجان جيداً ويدركا حجم التوافق بينهما، فإن الثقافة الإنجليزية، لا تشترط ذلك، ويمكن إتمام الزواج بدون أي فترة خطوبة مسبقة، وأخيراً، يعد الطلاق في الثقافة العربية أمرًا غير مرغوب فيه، ويُنظر إليه باعتباره فشلاً اجتماعياً ومكروهاً دينياً، ويمكن أن يتسبب الطلاق للمرأة في تعرضها للنقد والعزلة الاجتماعية، لكن في الثقافة الإنجليزية، يعد الطلاق من قبيل الأمور السهلة والطبيعية والشخصية جداً في آن واحد.
وتمنحنا التأملات الدقيقة لتجارب الزواج العربي في بريطانيا مجموعة من الملاحظات المهمة؛ منها ما تشير إليه الإحصاءات من أن أكثر من 80% من تلك التجارب، لا يتفق فيها الزوجان من حيث النوايا والهدف من الزواج؛ فبالنسبة للطرف العربي إذا كان المتزوج من المهاجرين الشباب فإنه في الغالب يكون واقعاً تحت تأثير الصدمة الناتجة عن زوال التعقيدات العربية الموروثة في وطنه الأم بخصوص الزواج وشروطه التعجيزية؛ حيث يجد نفسه فجأة وقد أصبح محاطاً بمجتمع عملي ديناميكي في حرية اختيار التوجهات الخاصة والشخصية لأفراده، وخاصة النساء والفتيات، ولذلك فإنه يندفع لأول تجربة زواج في الغربة، أولاً لإشباع فطرته، وثانياً لتثبيت وجوده القانوني والشرعي والاقتصادي فوق الأراضي البريطانية بحكم الزواج من مواطنة بريطانية، وثالثاً لقدرته على المضي قدماً في الزواج دون حاجة لأعباء مالية كبيرة، في حين تنظر الفتاة الإنجليزية لتجربة الزواج من شاب عربي، على أنها من قبيل التجارب المثيرة والممتعة والإيجابية من حيث فرص التعلم والاستكشاف لثقافة ولغة وتقاليد وطقوس جديدة، وبالطبع لا يمكن استبعاد مشاعر الحب والإعجاب في هذه التجارب، ولكن سرعان ما تتكشف الأمور عن تحديات كبيرة للطرفين، يترتب عليها إفشال النسبة الأكبر من هذه الزيجات.
زواج صوري
وإلى جانب ذلك هناك إحصائيات أخرى تشير إلى أن نسبة لا بأس بها من زواج العرب من بريطانيات، هو زواج صوري أو وهمي، لمجرد شرعنة الإقامة في بريطانيا، وهو نفس ما يحدث من أشخاص ذوي جنسيات أخرى غير عربية، وهذا النوع منتشر من قبل المهاجرين غير الشرعيين على وجه الخصوص، فبحسب المعلن من قبل وزارة الداخلية البريطانية، ارتفعت حالات الزواج الصوري المبلغ عنها في ويلز وانجلترا بنسبة تقارب الــ60%، قياساً بأعوام ماضية، وقد زادت تلك الحالات في بعض الأحيان على 1000 حالة بعدما فشلت الحكومة البريطانية في إقناع مجلس اللوردات بالموافقة على استصدار قانون يمنع المهاجرين غير الشرعيين من الزواج في البلاد، ومن ثم، فقد بدأت شريحة كبيرة من فتيات أوروبا الشرقية المقيمات قانوناً في بريطانيا، بتوظيف حقوقهن في الإقامة لعمل صفقات زواج صوري مع الشباب العربي وغيرهم مقابل مبالغ مالية يحصلن عليها، وكان مما كشف بعض هذه الحالات، أن القائمين على التحري وجدوا أن الطرفين الراغبين في التسجيل، في أكثر من حالة، مختلفان في اللغة ولا يعرف أحدهما الآخر، وكل هذه الاعتبارات، دفعت السلطات البريطانية إلى تشديد الإجراءات إلى درجة التفكير مستقبلاً في إخضاع طرفي الزواج لاختبار بيولوجي.
وقد وجد أن الرجل العربي غالباً ما يقدم تنازلات كبيرة في زواجه بالبريطانيات أو بالأجنبيات عموماً، خاصة الشباب الباحثين عن موطيء قدم في المملكة المتحدة، وهي تنازلات تتعلق بشرط السن وظروف العمل والسكن ونوعية الوظائف المتاحة وفق الظروف الخاصة بالزوجة وبيئتها وظروف عائلتها وهكذا، ومثل هذه التنازلات في الحقيقة قد تكون ذات حدين؛ فإما أن يتوافق الزوجان ويتقدمان خطوات في زواجهما بالصبر والمثابرة ومواجهة التحديات، وهذا قليل جداً حدوثه، وإما أن ينتهي الأمر بالترك والمفارقة، وهذا هو الغالب والمتوقع، خاصة عندما تتغير ظروف أحد الطرفين، وخاصة الزوج، والذي بمجرد أن تتحسن ظروفه ومكانته المادية والاقتصادية ــــ وهذه ليست قاعدة ــ فإنه يفكر في فك الارتباط والبدء في علاقة جديدة مع من تناسب طموحه من الفتيات الجميلات صغيرات السن، وقد يحدث نفس الأمر من الزوجة كذلك؛ لأن كليهما بدأ العلاقة في الأساس من منطق المصلحة والنفعية والتجربة وليس من منطق العلاقات الإنسانية البحتة، ودوما يكون هناك حالات تشذ عن مثل هذا، كما هي الحال مع تجربة (محمد) الثلاثيني التونسي، والذي جمعه الزواج بــ (جين) ذات الأبناء السبعة والأحفاد العشرة، والتي تكبره بخمسة عشر عاماً، بعد قصة حب عبر الإنترنت، سافرت على إثرها (جين) من مدينتها (ليدز) إلى تونس ليتم الزواج، ولتبذل جهودها بعد ذلك للحصول من الحكومة البريطانية على تأشيرة لزوجها على أمل الاستقرار معه في بريطانيا، ووقتها (عام 2012) خاطبت جين رئيس الوزراء (ديفيد كاميرون) والملكة الراحلة (إليزابيث الثانية) مناشدة إياهما مساعدة زوجها، ولكن لم تتمكن من تحقيق رغبتها، ليستقر زوجها أخيراً في أيرلندا بعد حصوله على التأشيرة الممنوحة من الاتحاد الأوروبي، ولا زال الزواج مستمراً رغم بعد المسافة. وأيضاً هناك حالة البريطانية (إيريس جونز) ذات الثمانين عاماً، والتي وقعت في غرام ثلاثيني مصري يصغرها بخمسة وأربعين عاماً، وكان لديها الجلد والمثابرة لمراسلة دوانينج ستريت والضغط بقوة على رئيس الوزراء الأسبق (بوريس جونسون)، للتوسط لدى السفارة البريطانية في القاهرة لإتمام الزواج، حتى أنها ذكرته بالفارق العمري بينه وبين شريكته وخطيبته وقتها (كاري سيموندز) التي تصغره بأربعة وعشرين عاماً، وأعلنت صراحة أنها لا تمانع في أن يؤول ميراثها المتمثل في منزلها البالغ ثمنه أكثر من 200 ألف جنيه استرليني، لزوجها المصري، وبعد جهود تم زواج(إيريس/محمد)، واحتفلا مؤخراً خلال أبريل 2023 بعيد زواجهما الثالث بأحد مطاعم الغرب البريطاني.
ومما لوحظ أيضاً، أن حالات الزواج التي اصطحب خلالها الرجل العربي زوجته البريطانية إلى موطنه الأصلي للعيش هناك، وكذلك الحالات التي كانت فيها المرأة والفتاة العربية زوجة لبريطاني مقيم في بريطانيا، هذه الحالات، لوحظ أنها شهدت الكثير من الصعوبات الخاصة بتأقلم الزوجة على وجه الخصوص، وهنا تظهر أهمية كبيرة للطباع الشخصية لكلا الزوجين، وخاصة بالنسبة للزوج العربي في موطنه، وللزوج والزوجة البريطانيين في موطنهما، والمسألة هنا ليست مسألة اختلاف اللغات أو الأماكن والدول، بقدر ما هي اختلاف في البيئة الحاضنة، والأجواء المحيطة، وقدرة كل طرف على احتواء ثقافة الآخر وطباعه واهتماماته، والرجل العربي غالباً ما يميل إلى فرض ثقافته وطباعه وعالمه على الزوجة الأجنبية والأبناء، كنوع من تأمين وفرض الانتماء لوطنه الأم على الأسرة عندما يعود إلى موطنه، وهنا قد لا تستوعب الزوجة الأجنبية ذلك، كما قد يعاني الأبناء من عملية تشويش ثقافي مختلف الميول والاتجاهات، مصدره الزوجان(الأب/الأم)، ما يؤول في النهاية إلى مشكلات لا حصر لها، قد يدفع ثمنها أفراد الأسرة جميعاً، خاصة عندما يستبد الزوج بضعف الزوجة، أو يبدي سلوكاً مغايراً تماماً في موطنه الأصلي، عما كان يبديه سابقاً في موطن الزوجة الحاضن، ساعتها يكون هروب الزوجة بالأبناء هو السلوك المتكرر والمصير المؤسف للتجربة ككل.
أيضاً، وجد أن العديد من العوامل والأسباب، تقف وراء نمو ظاهرة إقبال الشباب العربي على الزواج من البريطانيات وغيرهن، كان من بينها ـــ للأسف ـــ إصرار الجالية العربية هناك، على اتباع نفس النهج من المغالاة في المهور والمطالب الخاصة لبناتهن، تماماً كما يحدث في المجتمعات العربية، وذلك بالتزامن مع مرور المجتمع البريطاني بحالة انعدام في التوازن على مستوى العلاقات الجنسية بين شرائح المجتمع المحلي؛ إذ تسجل المؤشرات الاجتماعية البريطانية، تراجعاً صارخاً في معدلات الزواج الطبيعي بين الرجل والمرأة، مقابل ارتفاع معدلات الزواج بين جنسين متشابهين، ووفق آخر إحصاء للزواج الطبيعي يعود للعام 2017، كان عدد المسجلين أكثر من 240 ألف حالة زواج طبيعي، وهو العدد الذي تراجع الآن بنسبة تقارب الــــ3%، وعلى ما يبدو أن المجتمع البريطاني يتجه نحو تراجع أكثر في الزواج الطبيعي المختلط، حيث سجل التراجع منذ بداية الثمانينيات وحتى الآن نسبة كبيرة قاربت الــ47%، وهذا يعني أن نسبة كبيرة من النساء البريطانيات يعشن حالة من التخبط الجنسي، تفرز فيما تفرز، ازدياد حالة الانفتاح الجنسي من قبل شريحة النساء الطبيعيات، وهو ما يحتوي بدوره حالة الشغف الجنسي المتأثر برغبات وأهداف اقتصادية لدى الشباب العربي في بريطانيا، ويزيد من هذه الحالة، معاناة الشباب المسلم والشابات المسلمات من عدم اعتراف القوانين البريطانية بالزواج الديني وفق الرؤية الإسلامية، إلى جانب صدور القانون الأحدث في البلاد مؤخراً، والذي رفع القيود التي كانت مفروضة على طلبات الطلاق المتبادلة بين البريطانيين والبريطانيات؛ حيث أصبح بالإمكان التقدم بطلب الحصول على الطلاق دون حاجة لإبداء الأسباب أو لإثباتها، وبعد أن كان الطلاق أمراً نادراً في بريطانيا منذ العام 1914، وصلت أعداد المطلقات البريطانيات حالياً لأكثر من 95 ألف حالة سنوياً، الأمر الذي سيزيد من حالات الطلاق لدى البريطانيات، كما سيزيد بالضرورة حالات الزواج أيضاً، مع العلم أن المرأة البريطانية هي الأكثر إقبالاً وجرأة على التقدم بطلبات الطلاق قياساً بالرجل، وبنسبة 65% لدى المستويات التعليمية الأقل، بينما ترتفع النسبة إلى ما فوق الــ85% لدى الفئات الأكثر تعليماً، وفي معظم هذه الحالات كان عدم تلبية احتياجات المرأة العاطفية من قبل الزوج، هو الدافع الأبرز لطلب الطلاق.
استغلال وصفقات مشبوهة
ويبدو أن أمور الزواج العربي في بريطانيا، لم تسلم من الدخلاء والمستغلين وتجار البشر واللحوم الرخيصة، حتى من بعض الأفراد المنتمين إلى الجنسية العربية؛ إذ تشير الإحصائيات الموثقة بشهود عيان، أن رواج الصفقات الخاصة بزواج المصلحة والزواج الصوري والوهمي، دفع البعض من هؤلاء إلى احتراف هذه الصفقات والتربح من ورائها، من خلال توظيف بائعات الهوي العربيات وغير العربيات لتقديم خدمات مشبوهة لطالبي الحصول على الإقامة، حيث يتحصلون على مبالغ كبيرة قد تصل إلى 50 ألف دولار، يذهب نصفها تقريباً للفتاة المبرمة للصفقة، والتي تتحصل أيضاً على مبالغ أخرى إضافية يتعهد بها المنتفع من هذه النوعية من (الزواج)، وقد أحصت وزارة الداخلية البريطانية على مدار عقدين ماضيين ما يزيد على ثمانية آلاف حالة، تضمنت مخالفات عديدة للقانون البريطاني، وأثبتت مدى ما يتمتع به محترفو هذه الصفقات من قدرة كبيرة على تجاوز المحاذير، بما في ذلك استطاعة إبرام عقود زواج متعددة للفتاة الواحدة، الأمر الذي اضطرت معه الحكومة إلى إصدار قوانين أكثر صرامة لتحديد شروط العلاقة الزوجية القانونية، بالإضافة لمنع الفتيات البريطانيات من إبرام عقود زواج بالأجنبي غير المقيم قبل سن الحادية والعشرين.
وفي واقع الحال، فإن أكثر تجارب الزواج العربي المعاصرة والمشار إليها في بريطانيا، لا يمكن الاستدلال بتجربة واحدة منها، باعتبارها تجربة فريدة ومتكاملة وذات أبعاد عميقة من الناحية الاجتماعية والأسرية والإنسانية، كما لا يمكن اعتبارها شاهداً من الشواهد الحضارية الراسخة في المقارنة بين ثقافتين أو حضارتين، هي الحضارة العربية ونظيرتها الإنجليزية، مع الفارق الكبير بالطبع لصالح الأولى على حساب الثانية، وما ذلك إلا لأن معظم هذه التجارب يدور في فلك النفعية المتبادلة بين طرفين جمعتهما ظروف جزئية تتطلب التكامل، مع الاعتراف مجدداً بعدم انتفاء الدافع العاطفي الصادق، خاصة في تلك التجارب التي يلعب التفاوت العمري فيها دوراً أساسياً، ففي حين يمكن التشكيك في نوايا وصدق الأصغر سناً، فإنه لا يمكن تطبيق نفس المعيار بالنسبة للطرف الأكبر سناً، لأنه لا يملك في جوهره وحقيقة أمره سوى المشاعر الصادقة ليبذلها ويتعلق بها للخروج من دوائر اليأس والحرمان وإهمال الغرباء والمقربين على السواء، لكن عموماً يمكننا المقارنة مثلاً بين هذه التجارب المحدودة للشباب العربي في بريطانيا، وبين تجربة الممرضة النيوزلندية (فان غيلديرملسين) والتي جمعتها قصة حب عاصفة تكللت بالزواج عام 1978م بـــ (محمد عبدالله عثمان) البدوي الأردني الذي كان يبيع السلع التذكارية في مدينة البتراء الأثرية، حيث عاشت معه تجربة زواج استثنائية في كهف عمره ألفا عام محفور في صخرة حمراء فوق أحد التلال هناك، لكي ندرك الفارق بين زواج محفوف بسطحية المصالح ونواياها، وآخر يعكس حالة التقاء حضاري كاملة بين ثقافتين مختلفتين عبر رومانسية خالصة، دفعت صاحبتها لتوثيق التجربة في كتاب اطلقت عليه اسم Married to a Bedouin أو (تزوجت بدوياً).
المؤشرات لا تكذب
إن تجوالاً بسيطاً عابراً على قنوات اليوتيوب وصفحات السوشيال ميديا وجروبات السفر ، يعطينا مؤشرات لا تكذب مطلقاً عن مدى الأعراض العاطفية والجنسية المختلطة والمتضاربة التي يعاني منها الشباب العربي في بلاد المهجر وخاصة بريطانيا؛ فالكثير منهم يصرف طاقاته لتصوير وبث مقاطع الفيديو على اليوتيوب، من أجل إثبات رجولته وجرأته كعربي في توجيه أسئلة جنسية صارخة ومبتذلة للفتيات في الشارع، وبعضهم يستعرض عبر فيديوهات مماثلة مدى جرأته على التحرش والتقبيل وممارسة السياحة الجنسية في شوارع لندن وباقي المدن الإنجليزية الشهيرة، وقد يكون هذا من قبيل الاندفاع الشبابي المتوقع لشاب عربي مكبوت العاطفة والجنس في مجتمع حر منفتح، لكنه يعكس أيضاً مدى عدم إدارك الشباب العربي، لمخاطر الانفتاح الجنسي، وخاصة في بريطانيا التي تشير المؤشرات إلى وجود 100 ألف حالة إصابة بفيروس نقص المناعة(إيدز) بين سكانها، وخاصة مثليي الجنس، وأن عدد مصابي هذا المرض في الشرق الأوسط، ازداد من 300 ألف تقريباً عام 2001، إلى أكثر من 450 ألفاً عام 2010 ثم إلى أعداد أكبر في الوقت الحالي، وأن النساء المتخصصات في خدمات الجنس يمثلن المصدر الأول للإصابة بالمرض وبنسبة تقارب الــ50%، يلي ذلك تعاطي المواد المخدرة بنسبة 30% تقريبا، ثم الممارسات الشاذة للرجال بنسبة 20%، الأمر الذي دفع الحكومة البريطانية مؤخراً للسماح بالعلاج المجاني للمصابين بهذا المرض حتى بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين ودون الالتفات لأوضاعهم القانونية، وهو ما يقتضي بالنسبة للرجل العربي عموماً وللشباب على وجه الخصوص، ضبطاً للعلاقات في المجتمعات الحاضنة، وحرصاً أكبر على إظهار الأخلاق العربية الأصيلة التي بات العالم حالياً يدرك قيمتها ومكانتها في الحياة الإنسانية.
وعموماً لسنا ضد زواج العربي من بريطانية، أو ضد الزواج العربي عموماً في بلاد المهجر، لكننا نتمنى أن يكون الزواج على وفق أسس ومشاعر إنسانية صادقة ومدروسة، بحيث تنبني العلاقة بالآخر المختلف ضمن جوهرها الإنساني الخالص، بعيداً عن تغليفها بالنوايا الاقتصادية وقضايا الهجرة.