في زوايا بلادٍ سعى إليها الهاربون من ويلات الحرب والعنف، تقف الفنادق شاهدةً صامتةً على قصص إنسانية أُجبرت على البقاء خلف الأبواب المغلقة.
هناك، في أماكن كان يُفترض أن تكون ملاذاً آمناً، تتبدل الأدوار وتتقاطع الأقدار، حيث يتصاعد التهديد من الخارج، ليس فقط كتهديد عابر بل كابوس يتجدد مع كل ليلة.
ووسط هذا الضجيج الصامت، تتعالى أصوات منظمات إنسانية تسعى لحماية أولئك الذين أضناهم البحث عن الأمان، مطالبين بإعادة النظر في تلك الأماكن المؤقتة التي أصبحت فخاخاً للروح والجسد.
ومن هنا تبدأ قصتنا، من نداءات عاجلة لحماية من لجأوا إلى أرض الأمل، ليجدوا أنفسهم محاصرين بين جدران الخوف والاضطراب.
اقرأ أيضاً: دعوة اللاجئين في بريطانيا للعثور على منازل بعد عمليات إخلاء الفنادق
فقد أعربت أكثر من 50 منظمة معنية بشؤون اللاجئين عن قلقها البالغ إزاء تصاعد التهديدات التي يتعرض لها طالبي اللجوء المقيمين في الفنادق، حيث تعرضت عدة فنادق مؤخراً لهجمات عنيفة من قبل مجموعات يمينية متطرفة.
وفي رسالة وجهتها هذه المنظمات إلى وزيرة الداخلية البريطانية، إيفيت كوبر (Yvette Cooper)، طالبوا بتعزيز بروتوكولات الإجلاء وحثوا على ضرورة إسكان طالبي اللجوء داخل المجتمعات المحلية بدلاً من الفنادق.
أبرز الحوادث وقعت في مناطق “هول” (Hull) و”تامورث” (Tamworth)، فيما تعرض فندق “هوليداي إن إكسبرس” (Holiday Inn Express) في “روذرهام” (Rotherham) لهجوم عنيف أسفر عن إشعال حرائق وتدمير أجزاء من المبنى.
ورغم أن الفندق كان قد استهدف من قبل جماعات اليمين المتطرف في 18 شباط/فبراير 2023، إلا أن التدابير الوقائية كانت غائبة.
اقرأ أيضاً: ماذا يواجه المسلمين والمهاجرين في بريطانيا اليوم؟
نسّقت منظمة “Conversation Over Borders” الرسالة المشتركة للمنظمات، ووقعت عليها 54 منظمة، منها “Care4Calais” و”Asylum Matters”.
ودعت الرسالة وزارة الداخلية البريطانية إلى توفير بروتوكولات واضحة لإجلاء طالبي اللجوء من الفنادق بشكل آمن، كما طالبت بإنهاء استخدام الفنادق كمأوى مؤقت وإسكان هؤلاء الأشخاص داخل المجتمعات المحلية.
وفي هذا السياق، عبرت كوليت باتين تيرنر (Colette Batten-Turner)، المديرة التنفيذية لمنظمة “Conversation Over Borders”، عن قلقها قائلة: «إنّ استخدام الفنادق كمأوى أولي لطالبي اللجوء أصبح مصدر قلق كبير. لقد أدت أعمال العنف التي استهدفت هذه الفنادق إلى إعادة صدمة العديد من المقيمين فيها، ما يثبت أن هذه الفنادق لا توفر البيئة الآمنة المطلوبة».
وأضافت: «الخطاب المعادي للهجرة والعنصرية الذي يغذيه بعض السياسيين ووسائل الإعلام، عزز من عزلة طالبي اللجوء ووضعهم كأهداف سهلة».
ومن جانبه، أشار ستيف سميث (Steve Smith)، المدير التنفيذي لمنظمة “Care4Calais”، إلى أن السلطات كانت على علم بتهديدات اليمين المتطرف قبل الهجمات ولكنها لم تتخذ إجراءات وقائية.
وقال: «يجب إجراء تحقيق شفاف للكشف عن أسباب فشل السلطات في منع هذه الهجمات التي عرضت حياة المقيمين والموظفين للخطر».
اقرأ أيضاً: اليمين المتطرف في بريطانيا: تاريخه ونشاطاته وأبرز جماعاته
وفي تعليقها على ذلك، قالت وزارة الداخلية البريطانية إيفيت كوبر في بيان لها: «إن سلامة ورفاهية طالبي اللجوء الذين ندعمهم تبقى على رأس أولوياتنا، ونحن نتوقع معايير عالية من مقدمي خدمات الإقامة».
هذا وأدلى بعض طالبي اللجوء المقيمين في الفندق بشهاداتهم حول ما حدث، حيث وصف طالب لجوء سوداني يبلغ من العمر 18 عاماً ما شاهده بأنه كان «مرعباً»، قائلاً: «لم أواجه شيئاً كهذا منذ وصولي إلى المملكة المتحدة».
فيما قال طالب لجوء آخر من أفغانستان: «بعد بدء الهجوم، لم نرَ أيّاً من موظفي الفندق. لقد شعرنا بالارتباك. قيل لنا أن نبقى في غرفنا ونبتعد عن النوافذ، لكننا رأينا ما يحدث في الخارج من انعكاسات المرايا في غرفنا».
وحدث ذلك بالتوازي مع موجة غضب واحتجاجات شهدتها بريطانيا، إثر حدثين بارزين؛ أولهما الفعالية التي نظمها الناشط اليميني المتطرف المعروف باسم تومي روبنسون في لندن أواخر شهر تموز/يوليو من العام الجاري 2024.
اقرأ أيضاً: تومي روبنسون: القصة الكاملة لزعيم اليمين المتطرف في بريطانيا
وتضمنت الفعالية مسيراً من محكمة العدل الملكية وصولاً إلى ميدان ترافالغار، حيث تجمّع الألاف من مناصري روبنسون، وخلال المسيرة، رُفعت شعارات معادية للإسلام، فيما أطلق المشاركون هتافات عنصرية.
أمّا الحدث الثاني، فهو حادثة طعن أودت بحياة ثلاث فتيات صغيرات في مدينة ساوثبورت البريطانية، وهذا الحدث ساهم في تصعيد التوترات في العاصمة.
وزعم “روبنسون” ومجموعته أن مهاجراً مسلماً هو المسؤول عن مقتل الفتيات، وروّجوا لهذه الاتهامات بشكل واسع، ولاقت رواجاً كبيراً لم يتوقف حتى كشفت الحكومة البريطانية فيما بعد عدم صحتها.
اقرأ أيضاً: ما علاقة إيلون ماسك باحتجاجات بريطانيا؟ كيف ردت الحكومة البريطانية؟