إعلان غريب بدأ بالظهور أمام قراء صحيفة الإندبندنت البريطانية مؤخراً، وفحواه رواتب للإرهابيين في غزة، والإعلانات المزعجة تترصد القراء عند تصفحهم لمواضيع لا تمت للقضية الفلسطينية بأية صلة، في شبه ما يمكن وصفه بالحملة المنظمة على وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا.
بدأت القصة مع اندلاع الحرب على قطاع غزة المحاصر، في السابع من أكتوبر 2023، على خلفية احتجاز حركة حماس الفلسطينية لعدد من الأسرى الإسرائيليين، واتهام الأونروا بالتورط في الهجوم، وأعدت إسرائيل اتهاماً رسمياً، ضم أسماء 12 موظفاً في الوكالة، وجاء في الادعاء أيضاً أنّ (10%) من العاملين في الوكالة ينتمون لحركة حماس، دون أن تقدّم أي دليل واضح يثبت صحة هذه الادعاءات.
وكان من نتيجة تطورات المشهد أن قطعت الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الأخرى، التمويل عن الوكالة الدولية التي تشكل طوق النجاة الأخير لأهالي غزة العالقين بين مطرقة الجوع وسندان القتل والتدمير الإسرائيلي.
وفي السياق يتضمن فحوى الإعلان المنتشر في الآونة الأخيرة، صورة شخص على أنه مقاتل في حركة حماس، ثم يظهر الشخص ذاته مرتدياً عصابة رأس مكتوب عليها كلمة أونروا، في عبث مباشر بمصداقية الوكالة الدولية، وأن الرواتب التي تدفعها المنظمة الدولية للعاملين في المنظمة، هي محض رواتب للإرهابيين بحسب العبارة التي تظهر في نهاية الإعلان، رواتب للإرهابيين أم مساعدات إنسانية؟.
وكانت الاستحبارات الأمريكية قد شككت بوقت سابق في مدى صحة الاتهامات الموجهة إلى الأونروا، بانتماء موظفيها إلى حركة حماس، وعابت على إسرائيل عدم مشاركتها للمعلومات الاستخباراتية التي دلتها على هذا الاستنتاج.
بدورها الأونروا وقبل انتشار الإعلان الذي يتحدث عما وصفته إسرائيل بأنه رواتب للإرهابيين في غزة، فتحت تحقيقاً حول ما إذا كان موظفوها فعلاً متورطين بالتعاون مع حركة حماس، وأنهت خدمات تسعة موظفين على الرغم من عدم وجود أدلة مقنعة تثبت ضلوعهم في عملية السابع من أكتوبر.
وكانت المتحدثة باسم الأونروا تمارا الرفاعي قد بينت أنّ جميع الموظفين في الوكالة، والبالغ عددهم 33 ألفاً، هم من الموظفين الملتزمين والذين يعملون بجد واجتهاد، والتحقيق المستقل لفت نظر الإدارة إلى احتمال وجود حالات فردية، تعبر عن ذاتها وليس الوكالة.
وفي سياق مواز شكل قطع الدعم والتمويل الدولي عن الوكالة، استناداً إلى المزاعم الاسرائيلية بأنهم يقدمون رواتب للإرهابيين انتكاسة كبرى في عمل وأداء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، والتي كانت قد تأسست منذ العام 1949 وحملت على عاتقها مسؤولية تقديم المساعدة للاجئين الفلسطينيين في كل من سوريا ولبنان والأردن وقطاع غزة والضفة الغربية.
وتصل أعداد المستفيدين من خدمات الوكالة في قطاع غزة لوحده، حوالي المليون وسبعمائة ألف لاجئ فلسطيني، أمّا الرقم الإجمالي فيبلغ حوالي ستة ملايين لاجئ في المناطق الخمسة.
ومن الجدير بالذكر أن المراقبين يجدون في الإعلانات الإسرائيلية التي تصف رواتب العاملين في الأونروا، بأنها رواتب للإرهابيين ما هي إلا مسوغ جديد للاستمرار بضرب المدارس ومخيمات النازحين التي تعج بالنساء والأطفال، وليس مقاتلي حركة حماس.
وبالعودة إلى الإعلان الذي يؤكد على فكرة أنّ وكالة الأونروا تشغل عناصر من حماس، وتدفع رواتب للإرهابيين فإنه يتضمن رابطاً تحت عنوان اعرف المزيد، وهو يقود إلى موقع إسرائيلي تابع للحكومة، وفيه مقال مخصص للموضوع يحاول كشف التحيز في الأمم المتحدة، ويعمل على تأكيد ضلوع موظفين في الأونروا بحادثة الأسر لإسرائيليين في السابع من أكتوبر 2023.
لكن الأمم المتحدة تتحدث عكس ذلك، وتؤكد أن الأونروا هي وكالة تعمل على إطعام الفلسطينيين المحاصرين في القطاع، وأنّ المزاعم الإسرائيلية أسهمت في قطع التمويل عن الوكالة، وبالتالي تعطيل نشاطها الإنساني، وأضافت أن التحقيقات الداخلية التي أجرتها الوكالة، أثبتت براءة عشرة موظفين، وفصلت تسعة منهم لأسباب تتعلق بمصلحة المنظمة، دون أن يكون للعلاقة المزعومة مع حماس أي تأثير على قرار الوكالة، لكن وعلى الرغم من كل ما تقدم، صدر قرار أممي بوقف نشاط الأونروا داخل القطاع.
ويبدو أنّ اسرائيل قد خصصت ميزانية ضخمة لإعلانات جوجل التي تتحدث عن رواتب للإرهابيين في وقت أصبح فيه مليونا شخص في قطاع غزة عرضة لنقص الغذاء، بعد إيقاف نشاط الوكالة في القطاع الذي يعاني من أوضاع إنسانية كارثية.