د. دلال عريقات لأرابيسك لندن: الدبلوماسية خذلت الإنسانية، وإبادة سكان غزة هدفه تصفية القضية وتجريد الفلسطينيين من حقهم السياسي و القانوني في تقرير المصير!!
تابعونا على:

مقابلات

د. دلال عريقات لأرابيسك لندن: الدبلوماسية خذلت الإنسانية، وإبادة سكان غزة هدفه تصفية القضية وتجريد الفلسطينيين من حقهم السياسي و القانوني في تقرير المصير!!

نشر

في

3٬141 مشاهدة

د. دلال عريقات لأرابيسك لندن: الدبلوماسية خذلت الإنسانية، وإبادة سكان غزة هدفه تصفية القضية وتجريد الفلسطينيين من حقهم السياسي و القانوني في تقرير المصير!!

فرضت الأوضاع المأساوية الراهنة والمتأزمة على الساحة الفلسطينية واقعاً سياسياً واستراتيجياً جديداً على صعيد المواقف الدولية المتباينة تجاه القضية الأقدم عمراً والأكثر زخماً وتجدداً في منطقة الشرق الأوسط؛ فبعد موجة من الانفتاح العربي على (تل أبيب) شهدت خلالها المنطقة إقبالاً غير مسبوق نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وبدى مستقبل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني باهتاً ومتوارياً عن مناقشات وسجالات الأروقة الأممية في ظل التخطيط الممتد لما يعرف بـــ (صفقة القرن) منذ الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة(دونالد ترامب) وحتى مجيء الإدارة الحالية بقيادة(جو بايدن)، إذا بالعملية العسكرية الأخيرة (طوفان الأقصى) التي نفذتها عناصر المقاومة الفلسطينية داخل عمق الأراضي المحتلة، تُعيد القضية برمتها إلى الواجهة، وتستدعي الحضور الأمريكي مجدداً إلى المنطقة، ليس ضمن السياق السياسي فحسب، وإنما ضمن سياق عسكري أيضاً، وإذا بالمجتمع الدولي يشهد انقساماً حاداً في المواقف والإجراءات المتعلقة بتقييم الفعل وردود الفعل بين طرفي الصراع.

وعلى خلفية كل ذلك، لا يزال يدفع المدنيون من سكان قطاع غزة وأكثريتهم من الأطفال والنساء والشيوخ، ثمناً باهظاً من الأنفس والأرواح والممتلكات، فحتى كتابة هذه السطور، تجاوزت أعداد الشهداء من المدنيين في القطاع حد الــ 20 ألف شهيد بعد أكثر من ثمانين يوماً من بدء الأزمة، بفعل الضربات الجوية والمدفعية الوحشية للجيش الإسرائيلي، والتي حولت غالبية مساكن أهل غزة إلى أنقاض يحيط بها الموت والدمار من كل مكان، بالتزامن مع إتاحة النذر اليسير من الماء والغذاء والدواء للمحاصرين من السكان، وهو الأمر الذي يدفع بالحكومات والشعوب العربية والإسلامية وبالعديد من الجهات الحقوقية الدولية، إلى التحذير من مغبة هذا الوضع المأساوي، ومن تأثيراته السلبية المحتملة على أمن المنطقة والعالم، وبدورها حاولت(أرابيسك لندن) استكشاف مستقبل الصراع في المنطقة، من خلال هذا الحوار مع الدكتورة (دلال عريقات) الأستاذ المساعد في الجامعة العربية الأمريكية في فلسطين.

 

حاورها: محسن حسن

 

  • دكتورة،كيف تقيمين المشهد الحالي في ظل ما يحدث الآن في غزة؟

ما نشهده هو مجموعة من جرائم الحرب التي يشنها عسكريون محتلون ضد 2.2 مليون من الشعب الفلسطيني الأعزل الذي يعيش على مساحة 365 كيلو متراً مربعاً، وفي الوقت الذي تتم فيه محاصرتهم براً وجواً وبحراً، وحصدُ الكثير من أرواحهم تباعاً، نرى تواطؤ المجتمع الدولي ووقوفه عاجزاً  أمام الإصرار الأمريكي على عدم إتاحة أي فرصة لانتزاع قرار بوقف الحرب، وفي الوقت ذاته يشكل منع إدخال المساعدات الإنسانية اللازمة لإنقاذ الضحايا والمصابين بالوتيرة العادلة والكافية، رغبة دفينة في توفير غطاء قانوني لإبادة الشعب الفلسطيني، كما أن ما تم الترويج له من أن الحرب هي فقط على حماس، هو تضليل كبير للجماهير؛ لأن المقصود في الحقيقة هو تصفية القضية الفلسطينية، والقضاء على حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وهو ما كان واضحاً من خطة تهجير سكان غزة سعياً وراء ضم القطاع لاحقاً للمشروع الاستيطاني وفق إطار صفقة القرن الهادفة إلى تغيير الخارطة الجغرافية في المنطقة، وهو بالنهاية ما يمثل استهدافاً جيوسياسياً لمنطقة الشرق الأوسط ككل وليس لفلسطين وحدها.

 

  • من الخاسر الحقيقي في ظل الصراع الحالي؟

في ظل ما يحدث الآن من استمرار المخطط الاستيطاني و الاستعماري، وتواطؤ المجتمع الدولي في منح المشروعية للمجازر بحق الفلسطينيين، إلى جانب انعدام البعد الإنساني والحقوقي على مستوى الموقف الأمريكي والغربي تجاه الشرائح السكانية المستضعفة في عزة، يبقى الخاسر الأبرز هو مخيم السلام وعملية السلام وكل ما يتعلق بإقرار الأمن والسلم الدوليين في المنطقة.

وهنا يجب لفت الانتباه إلى ضرورة تمسك المقاومة بأوراق الضغط على الحكومة الإسرائيلية ومجلس الحرب في تل أبيب، من أجل إنقاذ أسرانا من سجون الاحتلال، وكذلك من أجل أية مفاوضات مستقبلية بشأن عملية تبادل جديدة ومحتملة للأسرى، وهو ما يندرج تحت ما يسمى بــ (الدبلوماسية القسرية) في عملية التبادل، والتي تمثل عنصر قوة للموقف الفلسطيني ولمستقبل غزة في قادم الأيام.  

 

  • برأيك ما الذي يجنيه التأييد الأمريكي المطلق لإسرائيل؟ وهل أخطأت الأطراف العربية في إلغاء المقابلة المبكرة لبايدن خلال بدء الأزمة؟

التأييد الأمريكي المطلق لإسرائيل ليس بجديد، ولكنه هذه المرة يقدم إثباتاً آخر على الغطاء القانوني الذي تقدمه واشنطن لشرعنة الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وللقضاء على حق هذا الشعب في الاستقلال والتحرر، وما رأيناه سابقاً ونراه حالياً، هو تمرير لصفقة القرن على حساب الدم الفلسطيني، وبالطبع هناك مصالح إقليمية تحققها هذه الصفقة لبعض الأطراف في المنطقة والعالم، وهي ليست ببعيدة عن موقع غزة الاستراتيجي وما تحويه هذه البقعة من حقول للغاز وللموارد الطبيعية المختلفة، إلى جانب نوايا المحتل الاستيطانية وسعيه القسري إلى التوسع والهيمنة والاستحواذ.

وعموماً لا يجب أن ننسى أن ما يحدث الآن من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بعضه يدخل ضمن مقتضيات الحملات الانتخابية والمصالح الشخصية لكل من (بايدن) و (نتنياهو) على حساب دماء الفلسطينيين.

وأما بخصوص لقاء الأطراف العربية بالرئيس الأمريكي، كان من الممكن (حال تم اللقاء) أن تقوم هذه الأطراف وخاصة من قاموا بالتطبيع، بتذكير بايدن ومعه الإسرائيليين بمبادرة السلام العربية التي خرجت في عام 2002 والتي عرضت عملية تطبيع وسلام شامل للأطراف العربية والإسلامية مع دولة الاحتلال، والتي لم تستجب بدورها وقتئذ لهذه المبادرة وهو ما يظل سارياً حتى الآن، وهذا يثبت عدم امتلاك إسرائيل نوايا حقيقية للسلام مع المنطقة.

 

  • من وجهة نظرك ما الذي ترمي إليه سياسات الولايات المتحدة وبريطانيا في المنطقة على خلفية هذه الحرب؟

بالطبع يجب التذكير بدور كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا منذ أيام (وعد بلفور) الذي أقر خلال نصوصه بمبدأ(معاملة الأقليات من غير اليهود بحسم الحقوق الدينية والمدنية)، وهو ترجمة لما قام به (ترامب) في المنطقة عندما أخرج القدس واللاجئين من ملف المفاوضات، وبالتالي يمكن النظر إلى ما يحدث حالياً باعتباره استكمالاً لمخطط حرمان الفلسطينيين من حقهم في تقرير المصير، فبعد تهجيرهم ونقلهم القسري وتشتيتهم في كل اتجاه، وضم الضفة وإخلاء غزة من المدنيين، سيكون المحتل قد حقق هدفه المتمثل في تحويل الشعب الفلسطيني إلى أقليات لا تتمتع بالحقوق السياسية وحق تقرير المصير، وهذا جزء من مؤامرة وتخاذل دولي لصالح المشروع الاستيطاني الإسرائيلي على حساب القضية والمصلحة الفلسطينية العليا، وهذا يحدث رغم أن تلك الحقوق محفوظة في المعاهدات والمواثيق الدولية.  

 

  • كيف بدت لك مواثيق حقوق الإنسان على المستوى الدولي من خلال ما يحدث لسكان غزة؟

للأسف ما شهدناه ونشهده مراراً في فلسطين، معناه أن الدبلوماسية خذلت الإنسانية، وخذلت أكثر من 2 مليون مدني فلسطيني محاصرين في قطاع غزة، وهذا رغم أن المادة 49 في القانون الدولي الإنساني تكفل الحماية للمدنيين، بالإضافة للمادة 146 التي تُلزم الدول المتعاقدة على ملاحقة مجرمي الحرب ومحاكمتهم، وهناك المادة 56 التي تضمن توفير الحماية للمراكز الصحية وتوفير ما يلزم من أدوات ومعدات طبية، فليس منطقياً أن يظل مليون طفل فلسطيني محرومين من لبن الأطفال ومن الغذاء والدواء، والعالم كله ينتظر موافقة نتنياهو والولايات المتحدة على وقف الحرب، والكارثة هي أن كل ما يحدث من جرائم في حق الفلسطينيين بصفة عامة وفي حق أهل غزة بصفة خاصة، هو موثق على شاشات التلفاز ومُشاهد من كل حكومات العالم، ورغم ذلك تكرر الدبلوماسية الدولية فشلها في حماية السلم والأمن الدوليين أمام إصرار المحتل على انتهاك كافة قوانين الشرعية الدولية والمواثيق الأممية والحقوقية ومواد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني بما فيها اتفاقية جينيف الرابعة وبالتحديد المواد السابقة المشار إليها، وكلها تمنع ما حدث ولا يزال يحدث إلى الآن من الاعتداء على المستشفيات والمساكن وعلى الكنائس والمساجد، والذي يمثل حرب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في القرن الحادي والعشرين.

 

  • ما الآليات المتاحة مستقبلاً لتغيير الرأي العام العالمي بخصوص حقوق الفلسطينيين؟

رغم التواطؤ الدولي مع دولة الاحتلال، تظل أمامنا عدة أدوات وآليات لنصرة القضية الفلسطينية وإنعاش وتبصير الرأي العام العالمي بها وبحقوق شعبها، وتعد الدبلوماسية من بين أهم تلك الأدوات، لأنها تظل آلية قانونية سلمية حضارية، ولا يستطيع الشعب الفلسطيني الاستغناء عنها، ولكن من الضروري اليوم توظيف كافة الأدوات بالتوازي؛ فمع تفعيل الدبلوماسية، مطلوب من الشعب الفلسطيني توظيف كافة أشكال وأنماط المقاومة، وعلى المواطنين الفلسطينيين من أصحاب الضمائر في العالم أجمع من الكتاب والفنانين والأكاديميين والسياسيين ورجال الأعمال وغيرهم، ألا ينسوا القيام بأدوارهم الفردية والجماعية في دعم الحقوق الفلسطينية والقضايا المصيرية ونصرة الحق ونقل الحقيقة، ويجب التأكيد هنا على أهمية الدبلوماسية الشعبية من مسيرات ومظاهرات وفعاليات في تصحيح الصورة وتصويب الخطأ وكشف الأباطيل التي تروج لها الآلة الإعلامية لدولة الاحتلال بحق الشعب وبحق القضية وبحق المقاومة، وهو ما يمكن أن يؤثر مستقبلاً بكل تأكيد، في التوجهات الرسمية والحكومية لدى العديد من دول العالم تجاه ما يحدث.

 

  • إلى أي حد استعادت الولايات المتحدة الأمريكية لقب شرطي العالم من خلال الأزمة الأخيرة؟ وهل اختلف الديمقراطيون عن الجمهوريين في التعاطي مع قضايا المنطقة؟

إلى حد كبير أثبتت الولايات المتحدة الأمريكية مرة ثانية أنها لازالت تمارس دورها التاريخي والمعهود كشرطي للعالم، فقد وفرت، ولا تزال توفر إلى الآن، غطاءً عسكرياً ولوجيستياً ومعنوياً لتعزيز الممارسات الإجرامية لقادة الاحتلال، ومن خلال ما جلبته من أسلحة وأطنان من المتفجرات والذخيرة، يتم إبادة سكان غزة، وكان إرسال حاملة الطائرات الأمريكية إلى المنطقة في بداية الأزمة، سبباً من أسباب منح دولة الاحتلال الضوء الأخضر لإبادة الأبرياء جماعياً في القطاع عبر ضربات مكثفة ومتلاحقة لا تزال مستمرة حتى اللحظة بعد قرابة الثلاثة أشهر من الحرب؛ لذا فواشنطن تتحمل جزءً كبيراً من جرائم حليفتها في المنطقة.

أما على صعيد التفرقة بين الجمهوريين والديمقراطيين، فلم تختلف المواقف، والجميع قاموا بدعم المشروع الاستيطاني لإسرائيل فوق الأراضي الفلسطينية،وجميعهم أكملوا ما بُدء تنفيذه على الأرض في عهد إدارة ترامب، وما شهدناه من إدارة بايدن هو تأييد وانحياز غير مسبوق لجرائم الحرب الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين.

والخلاصة أن الجمهوريين ويأتي من بعدهم الديمقراطيون، كلاهما بصدد ما يمكن تسميته بـــ(حرب مصالح) في المنطقة، يتم تقديمها على حساب المباديء والأخلاقيات والقوانين الدولية.

  • برأيك، ما التداعيات المستقبلية لإصرار القوى الدولية على شيطنة بعض الفصائل المقاومة عن حرية أراضيها في العالمين العربي والإسلامي؟

هنا لدينا نموذج لرواية إسرائيلية تروج عالمياً وتسوّق لما يحدث الآن على أنه حرب إسرائيلية ضد (حماس) وحرب ضد(الإرهاب)، وهذا غير صحيح، بل إن هذا يجب أن يعود عليهم بالحجة؛ لأن الشعب الفلسطيني على مدار خمسة وسبعين عاماً يعاني من احتلال همجي ومن جرائم حرب متكررة على غرار جرائم الأبارتهايد والإعدامات الميدانية والاعتقالات ومصادرة الأرض والاستيطان وإرهاب المستوطنين وسلب الحريات المدنية والدينية وانتهاك المقدسات والأديان، وكله يتم تحت مظلة الاحتلال العسكري طويل الأمد ضد الشعب الفلسطيني، حتى قبل ظهور حماس أو ظهور قضايا الإرهاب بشكلها الراهن، وهذا بالتأكيد يحمل بين طياته تداعيات كارثية للمنطقة والعالم إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه.  

 

  • في الختام، ما الذي يمكن اتخاذه من إجراءات على المستوى العربي تجاه ما يحدث؟

بالطبع هناك فرصة مواتية للدول العربية، وخاصة الأطراف التي تملك أوراق ضغط قوية يمكن استغلالها كبعض العقوبات أو استخدام الدبلوماسية القسرية وعلى وجه الخصوص ضمن الملفات القادمة المتعلقة بملف التطبيع.    

X