بعدما خسر عدد من أصدقائه كل ما لديهم تقريبا من المال للمحتال برنارد مادوف قبل نحو عقد من الزمن، تساءل ديفيد شولمان عما إذا كانت هناك طريقة تمكننا من معرفة الناس من حولنا، خاصة في العمل.
فهل يمكن أن يكون المحلل المالي الجالس في الحجرة المجاورة هو المحتال القادم؟ وهل زميلك الذي يتناول الغداء معك هو مخادع بالفطرة؟ وإلى أي مدى تعرف الشركات موظفيها؟
صمم شولمان، الحاصل على شهادة جامعية في الاقتصاد ولديه خبرة تمتد لـ 30 عاما كمدير تنفيذي مع عدة شركات لتوظيف رؤوس الأموال في وول ستريت، اختبارا يساعده على التوصل لإجابات لتلك الأسئلة. ومثل العديد من أسئلة تقييم الشخصية، كان شولمان يأمل في أن يساعد هذا الاختبار في معرفة الأسباب التي تؤدي إلى الخداع والاحتيال. ولإعداد هذا الاختبار، طلب شولمان المساعدة من علماء مختصصين في النواحي السلوكية والنفسية.
طبق شولمان نموذجا أوليا للاختبار على أسوأ الأشخاص حولنا، وهم المجرمون المدانون. وأجرت الشركة التي أنشأها، “فيرس بينتشمارك”، اختبار على 812 مجرما من ذوي الياقات البيضاء ممن أدينوا في 1,724 جريمة، بما في ذلك التزوير والاختلاس والاحتيال. ثم قدمت الشركة الاختبار إلى الآف الأشخاص العاديين العاملين في مجال المال والأعمال، لوضع معيار لـ “ردود الفعل العادية”.
وبينما سجل العاملون العاديون في مجال المال والأعمال درجات أدنى أو أعلى في أمور مثل الصدق، سجل المجرمون درجات أسوأ في أمور مثل تحمل المسؤولية والضمير ومراعاة مشاعر الأخرين.
وفي معظم الأحيان، نحدد ما إذا كان الشخص صادقا أم لا عن طريق انطباعنا عنه أو توجيه مجموعة من الأسئلة إليه أثناء مقابلة التوظيف، أو عن طريق كيفية تصرفه خلال التعاملات التجارية والمالية اليومية. لكن هذا ليس مضمونا.
يقول شولمان: “التحدث المباشر مع الشخص ثم توظيفه لاحقا لمجرد أنك أعجبت بطريقة رده على الأسئلة هو وسيلة محفوفة بالمخاطر للتوظيف. ببساطة، لا يوجد أي علم يدعم هذا”.
كشف الحقيقة
خلال السنوات الثلاث الماضية، شارك نيلان بيريس في عملية تعيين موظفين ربما يكون عددهم أكبر ممن عملنا معهم طيلة حياتنا، فقد زاد عدد العاملين بشركته، “ترانسفير وايز” للتحويلات المالية، من 60 موظفا إلى 650 موظفا خلال تلك الفترة. وقد كذب كل موظف تقريبا من هؤلاء الموظفين كذبة بيضاء على الأقل، كما يقول بيريس، الذي أشار إلى أن اكتشاف ذلك لم يكن بالأمر الصعب.
يقول بيريس من لندن، حيث يعمل كنائب لرئيس قسم النمو في الشركة، إن أغلب المتقدمين للعمل كذبوا عند سؤالهم عن سبب رغبتهم في العمل لدى “ترانسفير وايز”، مضيفا: “في العادة، يقول المتقدمون إن السبب هو ولعهم وتحمسهم بتحويل الأموال. وأرد عليهم قائلا، ‘مهلاً، تلك ليست الحقيقة. ما هو السبب الحقيقي؟ لأني غير متحمس لتحويل الأموال، ونفس الأمر ينطبق على مؤسسي الشركة وكل العاملين هنا.”
وقد يكون الجواب الحقيقي هو أنهم يريدون العمل في شركة سريعة النمو أو في مجال التقنيات أو لمئة سبب آخر. لكن بيريس يقول إن الغرض من كشف كذبهم هو معرفة رد فعلهم، مضيفا: “إذا عادوا مرة أخرى إلى الصدق والصراحة، فإن هذا يعني أنهم مستعدون للانتقال إلى الخطوة التالية”.
ويرى بيريس أنه لا يوجد شخص يتمتع بالصراحة الكاملة، مشيرا إلى أنه لم ير سيرة ذاتية لم تبالغ بعض الشيء في نقطة ما.
ويعود ذلك الى أننا خلقنا نظاما يشجع على المبالغة ويكافىء السير الذاتية الأقرب لأن تكون ملحمة شعرية منها الى الحقيقة، حسب غاريث هيدلي، مدير الموارد البشرية والتنوع لشركة “ذا كلير كومباني” للاستشارات.
كما أننا نكذب أيضا عن طريق عدم ذكر أمر ما، فعلى سبيل المثال قد تكون قضيت بعض الوقت بعيدا عن العمل بسبب السفر والترحال أو تكوين عائلة، لكنك تبالغ في أهمية الوظيفة التي شغلتها في تلك الفترة بدوام غير كامل.
الخطوة التالية للكذابين
ولكن ماذا يحدث عند اكتشاف كذب المتقدم للعمل؟ مر جيف كورتيس بتلك التجربة مرات لا تحصى بسبب عمله في تعيين الموظفين خلال السنوات العشرين الماضية.
يؤمن كورتيس بما يطلق عليه اسم أدوات التقييم “الدقيقة للغاية”، مثل تلك التي طورها شولمان، لمساعدته في معرفة ما إذا كان المرشحون للعمل يقولون الحقيقة أم لا. يقول كورتيس إن أدوات التقييم غالبا ما تكشف السلوكيات التي لا يدرك الأشخاص أنهم يتحلون بها.
ويضيف كورتيس، الذي يعمل حاليا لدى شركة “هيومان أسيت مانيجمانت”: “أؤمن بإطلاع الأشخاص على تلك النتائج، وغالبا لا يتفقون معها”. ويشجع كورتيس الناس على إطلاع شركاء حياتهم أو أصدقائهم على تلك النتائج، والذين سيؤكدونها في غالب الأمر.
يصف كورتيس موقفا حدث له عندما كشف اختبار للقدرات كذب أحد المرشحين لوظيفة جديدة، فقد كانت الشركة تحتاج مشرف صيانة قادر على التفاعل باستمرار مع العاملين، في حين كان الشخص المتقدم للوظيفة مديرا ودودا أظهرت الاختبارات أنه شخص منطو ويدعي أنه قادر على التفاعل بسهولة مع الآخرين. أهمل كورتيس نتائج الاختبار وعين المتقدم في الوظيفة الجديدة لكنه فشل فشلا ذريعا.
تعلم كورتيس الدرس جيدا، لكنه يشير إلى أن الاختبارات تكشف عن نزوعنا إلى الكذب فقط، لكن الأهمية الكبرى تتمثل في الحوار مع الشخص نفسه. ويمكن توجيه نفس السؤال عدة مرات ولكن بعبارات وصيغ مختلفة، وهو ما يساعد في الكشف عن المغالطات وسحب الشخص إلى مستوى معين من الراحة يجعله يتحدث بصدق وصراحة.
وقد يكون ذلك مفيدا للطرفين، سواء للمؤسسة أو للمتقدم للوظيفة الذي يريد أن يعرف مدى صدق الشركة فيما يتعلق بمسؤوليات الوظيفة وثقافة العمل وغيرها من الأمور التي تعنيه