في قلب المشهد البريطاني المتشابك، تتجلى العديد من القضايا التي تتصارع فيما بينها كأمواجٍ عاتية، وتتجسد أزمة المعيشة كريح باردة، تعصف بقلوب المواطنين الذين يلهثون خلف غلاء يزداد ثقله يوماً بعد يوم، وكأن الحياة في بريطانيا باتت سباقاً لا نهاية له نحو تلبية الاحتياجات الأساسية.
وبينما يخيم شبح التضخم فوق رؤوسهم، يقف النظام الصحي البريطاني منهكاً، تتهاوى قدراته تحت وطأة الطلب المتزايد ونقص الكوادر، ومن جانب آخر، تلوح قضايا الهجرة والبيئة والدفاع، كأنها أصوات تتداخل وتتصاعد، تثير القلق والمخاوف وتلقي بظلالها على واقع يزداد تعقيداً.
وفي التفاصيل، فقد وقد نشر قسم الأبحاث في «ستاتيستا» بتاريخ 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 تقريراً يلخص أهم القضايا التي تشغل بال البريطانيين في هذه الأيام.
الاقتصاد وأزمة غلاء المعيشة
يعد الاقتصاد القضية الأهم لدى 50% من سكان المملكة المتحدة، إذ تعاني البلاد من أزمة غلاء معيشة نتيجة التضخم المرتفع، ما يشكل هاجساً مستمراً لدى المواطنين، وبرغم جهود الحكومة، إلا أن النمو الاقتصادي ظل ضعيفاً، حيث شهدت الأشهر الأخيرة من عام 2023 تراجعاً اقتصادياً تلاها عودة للنمو في بداية عام 2024.
الصحة والأزمة المتفاقمة في نظام الرعاية الصحية
وتأتي الصحة في المرتبة الثانية كأهم القضايا التي تواجه بريطانيا منذ بداية عام 2022، ويعود ذلك إلى مشاكل نقص الكادر الطبي وزيادة الطلب على الخدمات الصحية، ما أدى إلى تدهور خدمات «هيئة الخدمات الصحية الوطنية» (NHS)، حيث تسجل قوائم الانتظار مستويات متزايدة، ولم تظهر أي بوادر على تحسن هذا الوضع حتى الآن.
اقرأ أيضاً: خسائر مالية كبيرة لمتلقي إعانات الصحة العقلية بسبب إصلاحات الحكومة.. ما القصة؟
الهجرة كأحد أبرز الاهتمامات
ومنذ أواخر 2022، صعدت الهجرة لتصبح ثالث أكبر مشكلة تشغل الرأي العام البريطاني، متقدمةً على قضايا البيئة في معظم فترات عام 2023، وأصبحت الهجرة في الآونة الأخيرة ثاني أهم قضية للناخبين، مما يسلط الضوء على الجدل الدائر حول سياسات الحكومة تجاه الهجرة، خاصةً مع اقتراب موعد الانتخابات في تموز/يوليو المقبل.
استجابة الحكومة لهذه التحديات
ومع اقتراب موعد الانتخابات التي جرت في يوليو، سعى حزب المحافظين لتلبية تطلعات الناخبين، وضمن هذا السياق، قدم رئيس الوزراء ريشي سوناك (Rishi Sunak) في بداية عام 2023 خمس تعهدات أساسية، تضمنت خفض التضخم إلى النصف، وتنمية الاقتصاد، وتقليل الدين الوطني، وتقليص أوقات الانتظار في NHS، والحد من قوارب الهجرة غير الشرعية، ورغم تحقيق بعض النجاح الجزئي، إلا أن التحديات ما زالت قائمة، فعلى سبيل المثال، انخفض معدل التضخم، لكن النمو الاقتصادي لم يشهد إلا تحسناً طفيفاً، فيما يظل الدين الوطني مرتفعاً، وتواصل قوائم الانتظار في NHS الارتفاع.
تراجع «البريكسيت» وصعود الدفاع
وفي ذروة المخاوف من «بريكسيت» في أيلول/سبتمبر 2019، اعتبر 71% من البريطانيين أنه من أهم القضايا التي تواجه البلاد، لكن بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في كانون الثاني/يناير 2020، تراجع الاهتمام بهذه القضية، خاصةً مع ظهور جائحة كوفيد-19، وفي نيسان/أبريل 2020، ذكر 75% من البريطانيين أن الصحة كانت أهم القضايا، وذلك في ظل ذروة الموجة الأولى للجائحة.
كذلك، شهد عام 2022 تزايد المخاوف من قضايا الدفاع بعد الحرب الروسية الأوكرانية، لتصبح قضية الدفاع ثالث أكبر مشكلة في بريطانيا في مارس من العام نفسه.
وبالإضافة إلى ما نشره قسم الأبحاث في «ستاتيستا»، من الملاحظ أن مسألة التدفئة من القضايا التي تشغل بال عدد كبير جداً من العائلات في بريطانيا مع اقتراب فصل الشتاء الجديد، وكان آخر ما حرّر في هذا الشأن هو الدراسة الحديثة التي أجرتها منصة مقارنة الأسعار «يو سويتش» (Uswitch) والتي أفادت بأن أن أكثر من 1.7 مليون أسرة في المملكة المتحدة لن تقوم بتشغيل التدفئة خلال هذا الشتاء.
اقرأ أيضاً: هل ستغير زيارة ستارمر إلى بروكسل نهج «بريكست»؟