أعلنت سلسلة متاجر دبليو إتش سميث (WHSmith) عن بيع 500 متجر لها بالكامل إلى موديلا كابيتال (Modella Capital) في صفقة قيمتها 76 مليون جنيه إسترليني، وهذه الخطوة، التي ستشهد تغيير العلامة التجارية للمتاجر إلى تي جي جونز (TGJones)، تمثل تحولًا استراتيجيًا للشركة نحو قطاع السفر، وذلك بعد تواجد دام أكثر من 233 عامًا في قلب المدن.
من بائع صحف إلى أيقونة الشوارع البريطانية
تأسست (WHSmith) عام 1792 في لندن على يد هنري والتون سميث (Henry Walton Smith) كمتجر متواضع لبيع الصحف والكتب، وسرعان ما نمت لتصبح مؤسسة ثقافية راسخة في حياة البريطانيين، وعلى مر العقود، ارتبط اسمها بشراء الصحف اليومية، والكتب المدرسية، والأدوات المكتبية.
ومع ذلك، شهدت متاجر الشوارع الرئيسية تراجعًا في الإيرادات بنسبة 8٪ خلال العام الماضي، وذلك نتيجة لتغير أنماط التسوق وصعود التجارة الإلكترونية، في المقابل، حقق قطاع السفر التابع للشركة نموًا بنسبة 15٪.
ولم يكن قرار البيع مفاجئًا، حيث كانت (WHSmith) قد أعلنت سابقًا عن نيتها التخلي عن متاجر الشوارع لمواجهة الضغوط الاقتصادية.
ووفقًا لتصريحات كارل كاولينغ (Carl Cowling)، الرئيس التنفيذي للشركة، فقد اتجهت دبليو إتش سميث (WHSmith) بشكل تدريجي نحو قطاع السفر، حيث تحقق متاجرها في المطارات ومحطات القطارات أرباحًا متزايدة، وقد استثمرت 20 مليون جنيه إسترليني لافتتاح 15 متجرًا جديدًا بحلول نهاية عام 2024.
هل تنجح موديلا كابيتال في إحياء الإرث؟
تشتهر موديلا كابيتال بخبرتها في الاستحواذ على العلامات التجارية البريطانية، لكنها تواجه تحديًا كبيرًا في مهمة إعادة إحياء متاجر (WHSmith) تحت اسم تي جي جونز (TGJones).
ومع وجود خطط لإغلاق 20 متجرًا سنويًا، تتصاعد المخاوف بشأن فقدان الشوارع الرئيسية لهويتها التجارية المميزة، على الرغم من تأكيدات الشركة بالحفاظ على “جوهر المتاجر” وتحديث عروضها لتلبية احتياجات المستهلكين المعاصرين.
اقرأ أيضاً: سقوط العمالقة.. متاجر شهيرة تُغلق أبوابها بالجملة في بريطانيا!
مصير الموظفين والعملاء
على الرغم من التأكيدات الرسمية بعدم وجود تأثير فوري على 5000 موظف، فإن برنامج الإغلاق التدريجي يثير قلقًا متزايدًا بشأن احتمال تسريح العمال في المستقبل.
وفي الوقت نفسه، يعبر العملاء عن أسفهم العميق لفقدان متجر كان يمثل جزءًا من ذكريات طفولتهم، كما عبرت سارة تومسون (Sarah Thompson) قائلة: “كان (WHSmith) المكان الذي نذهب إليه دائمًا لشراء أدوات المدرسة، سيكون من الغريب ألا نرى شعارها الأحمر المألوف مرة أخرى.”
تحولات قطاع التجزئة البريطاني
إغلاق (WHSmith) في الشوارع الرئيسية ليس مجرد نهاية فصل في تاريخ علامة تجارية عريقة، بل هو انعكاس لتغيرات أوسع تعصف بقطاع التجزئة بأكمله، حيث تكافح العلامات التجارية التقليدية بشدة لمواكبة سرعة وتنافسية التجارة الإلكترونية التي تستحوذ على حصة متزايدة من إنفاق المستهلكين.
وشهدنا مؤخرًا إغلاق سلسلة ويلكو (Wilko) بالكامل بعد إعلان إفلاسها، بينما تجد علامات تجارية راسخة مثل بوتس (Boots) وماركس آند سبنسر (Marks & Spencer) صعوبة في التكيف مع التحولات الجذرية في السوق.
ويرى العديد من الخبراء أن قرار (WHSmith) بالتركيز على قطاع السفر قد يكون “الخيار الأكثر ذكاءً” في ظل هذه الظروف، خاصة مع التوقعات بنمو سوق متاجر المطارات عالميًا بنسبة تصل إلى 25٪ بحلول عام 2030.
هذا النمو المتوقع يعكس إمكانات كبيرة للعلامات التجارية التي تستطيع الاستفادة من حركة المسافرين المتزايدة في المطارات ومحطات القطارات.
هل نتعلم من الدرس؟
إغلاق متاجر (WHSmith) يطرح تساؤلًا جوهريًا: كيف يمكن للعلامات التجارية العريقة أن تحافظ على جوهرها المميز بينما تتكيف بذكاء مع المتغيرات الاقتصادية المتسارعة؟
ويثبت التاريخ أن الشركات الأكثر قدرة على الازدهار هي تلك التي تتقن فن الموازنة بين الحفاظ على إرثها الثمين وتبني التغيير الضروري.
وبالنسبة لـ تي جي جونز (TGJones)، فإن النجاح لن يتحقق بمجرد تغيير ألوان الجدران أو تحديث اللافتات، بل في صياغة تجربة جديدة تتناغم مع تطلعات المستهلكين المعاصرين وتستلهم في الوقت نفسه من جذور العلامة التجارية العميقة، إنها رحلة دقيقة تتطلب رؤية استراتيجية وإبداعًا في فهم احتياجات السوق المتطورة.
اقرأ أيضاً: تجار التجزئة أمام إغلاق مزيد من المتاجر عام 2025
المستقبل والرهان على السفر
رغم الحزن الذي يخيم على الشوارع الرئيسية، تواصل (WHSmith) مسيرتها في النمو المزدهر لقطاع السفر.
وتدير الشركة حاليًا 580 متجرًا في مواقع استراتيجية مثل مطار هيثرو (Heathrow) ومحطة كينغز كروس (King’s Cross)، وتضع خططًا طموحة للتوسع في الأسواق الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة والشرق الأوسط، حيث يشهد الطلب على متاجر السفر ارتفاعًا ملحوظًا.