بعد سنوات من تجاهل موضوع وفيات الأطفال في قسم الولادة بمستشفى نوتنغهام Nottingham NHS Trust، قامت الحكومة البريطانية بفتح تحقيق جنائي للتحقيق في وفيات الأطفال وإلحاق إصابات خطيرة بهم نتيجة الإهمال الكبير.
وقالت شرطة نوتنغهامشاير Nottinghamshire يوم الإثنين أن التحقيق يعمل على الكشف عن حقيقة وجود القتل غير العمد على مستوى المؤسسة الطبية نتيجة الإهمال وسوء في إدارة الخدمات الصحية مما سبب وفيات كثيرة في قسم الولادة والأطفال.
تقوم حالياً الحكومة البريطانية بأكبر حملة في تاريخ هيئة الصحة الوطنية NHS لخدمات الولادة في المستشفى، بقيادة القابلة السابقة دونا أوكيندن Donna Ockenden التي ساهمت في الكشف عن فضيحة ولادات شروزبري Shrewsbury، ويقوم التحقيق الحالي على أخذ إفادات الأسر التي تعرضت لخدمات الولادة في مستشفى نوتنغهام، وإلى الآن أعطت 2000 أسرة إفادتها بما فيها من تعرضوا لحالات وفاة وإصابة أطفالهم.
وبتصريح من قبل د. جاك وسارة هوكينز Dr. Jack and Sarah Hawkins العاملان في مستشفى نوتنغهام سابقاً، وهما والدا الطفلة هارييت Harriet التي ولدت ميتة عام 2016: “حياتنا دمرت بسبب الصدمات التي تعرضنا لها. هذا التحقيق خطوة مهمة لكنه جزء فقط من مسار العدالة، فمحاكمة المؤسسة لا تعني محاسبة المسؤولين بشكل فردي”.
أما العاملون إلى الآن في مستشفى نوتنغهام، ممن تعرضوا لأضرار بسبب الإهمال في قسم الولادات، فرحبوا بالتحقيق الذي اعتبروه متأخراً، إذ تعرض ملف الولادات إلى التجاهل بالرغم من التحذيرات السابقة.
وتعقيباً على السابق قال المفتش ماثيو كروم Matthew Crome من ضمن فريق التحقيق في بيان له على الموقع الإلكتروني للقوة، إن القتل غير العمد من قبل شركة يُعد “جريمة جنائية خطيرة”، وأضاف “في مثل هذا التحقيق، نتطلع إلى معرفة ما إذا كانت المسؤولية الإجمالية تقع على عاتق المنظمة بدلاً من أفراد محددين، وسيسعى تحقيقي إلى التأكد مما إذا كان هناك دليل على أن صندوق مستشفيات جامعة نوتنغهام التابع لهيئة الخدمات الصحية الوطنية قد ارتكب هذه الجريمة.”
اقرأ أيضاً: تعليق على واتساب يطيح بوزير الصحة البريطاني!
خلفيات التحقيق في مستشفى نوتنغهام
لم تأتِ هذه الخطوة من فراغ، فقد جاءت نتيجة تحقيق استقصائي نشرته صحيفة الإندبندنت The Independent بالتعاون مع قناة Channel 4 عام 2020، كشف فيه عن وجود حالات وفيات وموت لكثير من الولادات والأطفال، منهم 46 حالة إصابة دائمة في الدماغ للرضع، 19 حالة وفاة لجنين ميت، 15 وفاة تالية للولادة، وأُلحق التحقيق بشهادات عائلات وموظفين أقروا بوجود إهمال في تقديم الخدمات الطبية بمشفى نوتنغهام، مع محاولات لإخفاء هذه الأخطاء من قبل المسؤولين.
كما تم تغريم صندوق هيئة الصحة الوطنية 1.6 مليون جنيه إسترليني بسبب “إخفاقات كان من الممكن تجنبها” مرتبطة بوفاة ثلاثة أطفال في عام 2021.
وتجدر الإشارة إلى أن الملاحقة القضائية بتهمة القتل غير العمد ستلاحق صندوق هيئة الصحة الوطنية، وليس الأفراد المسؤولين العاملين إلى اليوم في المستشفى، كما دعى د. جاك وسارة هوكينز، اللذين فقدا ابنتهما نتيجة إهمال المشفى إلى ضرورة المساءلة الفردية أيضاً لأولئك الذين تعاملوا بإهمال مع الأطفال الرضع.
وفي بيان مشترك صادر عن رئيس مجلس إدارة المستشفى، نيك كارفر Nick Carver، ورئيسه التنفيذي، أنتوني ماي Anthony May: “منذ انضمامنا إلى مجلس الإدارة، أكدنا على أهمية الانفتاح والشفافية والمساءلة في قيادتنا وصنع القرار. ونحن ندرك أن هناك المزيد الذي يتعين القيام به”.
ويندرج تعريف القتل غير العمد للشركات بموجب القانون لعام 2007، وينطبق عندما تتسبب الطريقة التي تدير بها منظمة طبية لأنشطتها ومهامها بإصابة شخص ما أو تؤدي إلى وفاته.
وهناك شروط يجب مراعاتها لإثبات توجيه الاتهام بالقتل غير العمد لمنظمة طبية، وأولها الإخفاق في إدارة المنظمة لأنشطتها، وإثبات تورط الإدارة العليا بقرارات خاطئة أدت لوفاة أو إصابة الشخص مع عدم مسؤولية الموظفين.
وعواقب هذا الاتهام إذا ثبت تكون عبر فرض غرامات كبيرة على المنظمة الطبية أو المستشفى، وتغيير الكوادر الإدارية بكاملها لمنع تكرار هذه الحوادث، بالإضافة إلى الظهور الإعلامي لمدير المؤسسة أو المنظمة الطبية يعترف فيه بوجود الأخطاء.
في النهاية، التحقيق سيأخذ مجراه وتتكشف حقائق أُخرى عن حوادث طبية، وهنا لا بد من التذكير بأهمية شفافية القطاع الطبي وتحمله لمسؤولياته والقيام بمهامه على أكمل وجه.
اقرأ أيضاً: خطة جديدة لتحسين قطاع الصحة البريطاني.. ماذا تتضمن؟