في خضم التحولات المتسارعة التي تشهدها سوق العقارات والإيجارات في بريطانيا، يتنفس المستأجرون الصعداء مع اقتراب مشروع قانون حقوق المستأجرين من رؤية النور، فيما يخشى الملاك من تغيرات جذرية قد تقلب موازين اللعبة.
وبين وعود حكومة جديدة بالعدالة وإنهاء الصراعات على الإيجار، وتحذيرات من إمكانية ظهور نموذج جديد أشبه بنموذج (Airbnb Lite)، يشتدّ الصراع بين الحلم بتحقيق الأمان والاستقرار للمستأجرين، وبين هواجس الملاك الذين يرون في هذه الإصلاحات تهديداً لمصالحهم، فهل ستتمكن هذه التعديلات المرتقبة من خلق توازن بين الطرفين؟ أم أن عواقبها ستكون أكثر تعقيداً ممّا يبدو على السطح؟
اقرأ أيضاً: توقعات بارتفاع أسعار الإيجارات في بريطانيا بنسبة 25% خلال السنوات القادمة
وفي التفاصيل، وجه ملاك العقارات تحذيرات بأنهم قد يرفعون الإيجارات في المناطق ذات الطلب المرتفع إذا أدت الإصلاحات المقترحة إلى تحويل أجزاء من القطاع الخاص المؤجر إلى ما وصفوه بنموذج “إير بي إن بي لايت” (Airbnb Lite).
والفكرة من وراء استخدام هذا المصطلح هي أن السماح للمستأجرين بإنهاء عقود الإيجار بعد فترة قصيرة، مثل شهرين فقط، قد يجعل القطاع الخاص للإيجارات يشبه بشكل ما نظام الحجز المؤقت والسريع الذي تقدمه منصة “إير بي إن بي”، بالتالي يخشى الملاك من أن الإصلاحات قد تؤدي إلى تعاقدات سريعة وغير مستقرة، بحيث يمكن للمستأجرين الانتقال بشكل متكرر وبدون الالتزام بعقود طويلة الأمد، يعرّض دخل الملاك للخطر.
ومن المنتظر أن يتضمن مشروع قانون حقوق المستأجرين، الذي يُتوقع أن يُعرض في البرلمان قريباً، منعاً للإخلاءات بدون سبب وزيادة الضوابط على ارتفاع الإيجارات خلال مدة العقد.
اقرأ أيضاً: أسعار العقارات في المملكة المتحدة تنخفض بنسبة 0.4% على أساس شهري في أبريل
زيادة 10% على الإيجارات في بريطانيا
وكما كشفت صحيفة الغارديان البريطانية (The Guardian)، ستكون هذه التغييرات من بين التعديلات الأساسية التي سيجلبها المشروع، لكن الملاك يحذرون من احتمال حدوث زيادات تصل إلى 10% في الإيجارات إذا سمح المشروع بالمرونة في العقود بشكل يُمكّن المستأجرين من إنهاء العقود خلال شهرين فقط.
وفي حديثها حول ذلك، قالت أنجيلا راينر (Angela Rayner)، نائب رئيس الوزراء ووزيرة الإسكان: «سيعمل هذا المشروع على إعادة التوازن بين المستأجر والمُلاك، وسينهي المزادات العقارية غير القانونية، ويضع حداً للملاك غير المسؤولين»، ومن المتوقع أن يبدأ حظر الإخلاءات بدون سبب اعتباراً من الصيف القادم على أقرب تقدير.
وأكدت “راينر” أن الإصلاحات تهدف إلى معالجة الوضع الحالي الذي يعاني فيه المستأجرون من ظروف غير إنسانية، وغالباً ما يتعرضون للتهديد بالإخلاء كوسيلة لردعهم عن تقديم الشكاوى.
ومن جانبه ردّ المجلس الوطني لملاك العقارات المؤجرة (NRLA)، الذي يمثل أكثر من 110000 مالك عقار، قائلاً: «إذا سُمح للمستأجرين بإنهاء العقود بعد شهرين فقط، فقد يضطر الملاك إلى رفع الإيجارات في المناطق مثل مراكز المدن والمناطق السياحية الساحلية»، وذلك وفقاً لما صرح مدير السياسة بالمجلس، كريس نوريس (Chris Norris).
وأشار “نوريس” إلى أن الإصلاحات قد تؤدي إلى ظهور ما يُطلق عليه “إير بي إن بي لايت”، حيث قد يستغل المستأجرون العقود قصيرة الأجل بشكل يمكنهم من التوقيع على عقد إيجار ثم المغادرة بعد شهرين فقط، ما يسبب خسائر لأصحاب العقارات.
من جهة أخرى، دحض دان ويلسون كرو (Dan Wilson Craw)، نائب الرئيس التنفيذي لجمعية “جينيريشن رينت” (Generation Rent)، هذه المخاوف قائلاً: «إذا أراد شخص ما عقد إيجار قصير المدى، سيكون من الأسهل دائماً اللجوء إلى منصات مثل إير بي إن بي».
ماذا تتضمن الإصلاحات المرتقبة لمشروع الإيجارات؟
هذا وتتضمن الإصلاحات المرتقبة أيضاً حظراً على الإخلاء بدون سبب، حيث لا يتوجب على المالك إثبات خطأ المستأجر، وغالباً ما يُستخدم هذا النوع من الإخلاء كرد فعل عندما يقدم المستأجر شكاوى، وستظل هناك أسباب قانونية للإخلاء، مثل عدم دفع الإيجار أو التسبب في أضرار كبيرة أو السلوكيات غير الاجتماعية، وسيظل المالك قادراً على استرداد الملكية إذا أراد بيعها أو الانتقال للعيش فيها.
ويهدف المشروع كذلك إلى تحسين ظروف الإسكان عبر تطبيق “قانون أوااب” (Awaab’s law)، وهو القانون الذي سُمي باسم الطفل “أوااب”، الذي توفي جراء العفن السام في إسكان اجتماعي، وسيسمح بزيادة الإيجارات مرة واحدة في السنة فقط وبما يتماشى مع “السعر السوقي”.
اقرأ أيضاً: أسعار العقارات في بريطانيا تتراجع: أين يمكنك الشراء بسعر أرخص؟
ومن جانبه، رحّب توم دارلينغ (Tom Darling)، مدير “تحالف إصلاح المستأجرين” (Renters’ Reform Coalition)، بالمشروع واعتبره «أقوى تشريع من المحاولة السابقة التي قامت بها الحكومة المحافظة»، لكنّه دعا إلى فرض المزيد من الضمانات لحماية المستأجرين من الإخلاءات غير العادلة.
ومن القضايا التي يتضمنها مشروع القرار أيضاً محاولة منع الحروب على الإيجارات، حيث سيتوجب على الملاك ووكلاء التأجير نشر سعر الإيجار المطلوب ومن ثم يُمنع قانونياً قبول أو تشجيع العروض الأعلى، ولكن الملاك يرون أن هذا قد يدفعهم إلى الإعلان عن أسعار أعلى مما يتوقعون الحصول عليه، ومن ثم قبول العروض الأقل فعلياً، ما يعيد صياغة الظاهرة القائمة حالياً نفس لكن بشكل آخر.
ختاماً، علّق متحدث باسم وزارة الإسكان والمجتمعات والحكومات المحلية لم يذكر اسمه، قائلاً: «هنالك إجماع واسع بأن هنالك حاجة إلى إجراء المزيد من الإصلاحات لتحقيق التوازن بين المستأجرين والملاك، وهذه الإصلاحات المقترحة تهدف إلى تحقيق ذلك»، مشيراً إلى أن الأغلبية العظمى من الملاك تلتزم بواجباتها تجاه المستأجرين، وليس لديها ما تخشاه من هذه الإصلاحات.
اقرأ أيضاً:قطاع العقارات البريطاني شهد نمواً ملحوظاً في فبراير