بعد الحملة الكبيرة للحكومة البريطانية التي يقودها حزب العمال، بهدف محاربة السمنة على اعتبارها عائقاً يقف في وجه سير أعمالها على الصعيد الصحي، ويزيد من الأعباء المالية المترتبة عليها سواء لناحية تحمل نفقات الإجازات المرضية أو إجبارها على تحمل تكاليف الرعاية الصحية المجانية المقدمة عبر هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS)، جاء خبر وفاة ممرضة بعقار للتخسيس كمناسبة جديدة للتحرك المعاكس في مواجهة جهود الحكومة التي تعتبر حديثة العهد في الحد من الهدر والإنفاق، لا سيما أنها وصلت سدة الحكم بعد 14 من حكم المحافظين.
وكانت الممرضة توفيت بعد مدة قصيرة من تعاطيها عقار “مونجارو” (Mounjaro) المستخدم عادة لخفض السكر في الدم، ومادته الفعالة “تيرزيباتيد” (Tirzepatide)، ويستخدمه المرضى في حالات الرغبة في إنقاص الوزن وعلاج البدانة.
وجاءت وفاة الممرضة سوزان ماكغوان عن عمر ناهز الـ 58 عاماً، وكانت لجأت للعقار الرائج الذي عبرت الحكومة أكثر من مرة أنها تعمل على توسيع قاعدة المستفيدين منه لتخفيف الضغط على النظام الصحي في البلاد، وتدرجت سوزان في تدهور حالتها الصحية لحين وفاتها بين فشل عدد من أعضائها الحيوية، تبعها تعرضها لصدمة إنتانية حادة والتهاب في البنكرياس.
وقال الأطباء المشرفون على حالة الممرضة سوزان أن الدواء الذي تلقته وهو “تيرزيباتيد” أسهم في حدوث الوفاة، وكان قد تم تطوير المادة الفعالة في الدواء من قبل شركة “إيلي ليلي” (Eli Lilly) الأمريكية الضخمة والتي تقدم منتجات تستخدم عادة في إنقاص الوزن، وأعلنت الحكومة البريطانية في وقت سابق أنها ستعتمدها في خطتها لإنقاص وزن الشعب.
وفي التفاصيل قررت الممرضة المتوفاة سوزان ماكغوان أن تشتري عقار التنحيف من الإنترنت دون وصفة طبية، وجرت الأمور بهدوء وسلاسة بعد أخذها الحقنة الأولى، ولكن مع أخذها للحقنة الثانية شعرت بآلام شديدة في المعدة وغثيان، فتوجهت مباشرة إلى المستشفى الذي تعمل فيه وسط أسكتلندا، ويحمل اسم “مونكلاندز” (Hospital Monklands)، لكن وعلى الرغم من وصولها إلى المستشفى إلا أن زملاءها لم يتمكنوا من إنقاذها بسبب التدهور السريع في حالتها الطبية.
وطلبت وسائل إعلام بريطانية من الشركة المصنعة التعليق على حادثة وفاة ممرضة في اسكتلندا، فجاء الرد من مختبر “إيلي ليلي” أن الشركة ملتزمة بمعايير المراقبة والتقييم دوماً بما يضمن سلامة الدواء بالنسبة للعملاء كافة.
وكانت الحكومة البريطانية قد أعلنت في أكتوبر الفائت عن استثمار ضخم لإنقاص وزن الشعب البريطاني وبلغت قيمته الرسمية حوالي 360 مليون دولار أمريكي، وأعرب وقتها السير كير ستارمر، رئيس الحكومة البريطانية عن مدى فائدة العقار، على صعيد تحقيق أهداف الحكومة البريطانية في دعم الاقتصاد عبر إعادة المواطنين إلى العمل وهم بصحة جيدة، إلى جانب قدرته على تحقيق أهداف من يعانون من البدانة في نجاحهم بإنقاص وزنهم.
من جانب آخر تشهد مانشستر تجربة سريرية مدتها 5 أعوام بمشاركة 3 آلاف شخص يعانون من البدانة والوزن الزائد، ويتم خلال هذه التجربة رصد تأثير الدواء على صحتهم، وتنقسم فئات المشاركين في الدراسة بين العاملين والعاطلين عن العمل والعاملين في وظائف حكومية مؤقتة وأولئك الحاصلين على إجازات مرضية لأسباب صحية تتعلق بالسمنة، وكانت قد بدأت قبل الحادثة التي أدت إلى وفاة ممرضة بعد تعاطيها للعقار الطبي.
وفي ذات السياق تشير الأرقام الرسمية الصادرة عن هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS)، أن قيمة الخدمات المقدمة من قبل الهيئة للمواطنين البريطانيين اللذين يعانون من البدانة هي 11 مليار جنيه إسترليني في العام.
وفي سياق مواز قالت وكالة تنظيم الأدوية البريطانية (The Medicines and Healthcare products Regulatory Agency)، إنّ العقار ذائع الصيت والذي يشتبه أنه تسبب بحالة وفاة ممرضة بريطانية يخضع حالياً للمراقبة عن كثب للتعرف على آثاره الجانبية والمخاطر المحتملة التي يمكن أن تقود إلى الوفاة.
وتشير الأرقام الرسمية لأعداد البريطانيين الذين يعانون من البدانة إلى ضرورة التحرك الحكومي لمواجهة هذا المرض بوصفه مشكلة وطنية، إذ تشير الأرقام إلى نسبة (26%) من البالغين البريطانيين يعانون من السمنة المفرطة أي حوالي 120 كيلو غراماً فما فوق، في حين أنّ نسبة (38%) من البالغين أيضاً يعانون من الزيادة في الوزن، ويرى المراقبون أن النسب المسجلة في المملكة المتحدة تعتبر الأعلى في القارة الأوروبية، وهو مؤشر غير سار على صعيد بلد متقدّم.