الدبلوماسي جمال البيومي عن العلاقات المصرية البريطانية: تاريخ عريق وتبادلات تجارية مميزة
تابعونا على:

مقابلات

الدبلوماسي جمال البيومي عن العلاقات المصرية البريطانية: تاريخ عريق وتبادلات تجارية مميزة

نشر

في

2٬031 مشاهدة

الدبلوماسي جمال البيومي عن العلاقات المصرية البريطانية: تاريخ عريق وتبادلات تجارية مميزة

ارتبط اسم السفير جمال الدين البيومي بفترات تاريخية من العلاقات المصرية البريطانية، وكانت له علاقات إنسانية ودبلوماسية وثيقة بشخصيات عديدة في المجتمع الإنجليزي، وذلك من خلال عمله المتواصل كأمين عام المشاركة الأوروبية بوزارة التعاون الدولي وكمساعد أسبق لوزير الخارجية المصري.

 

“أرابيسك لندن” تشرفت بحوار السيد جمال الدين البيومي لمناقشة الوضع الاقتصادي في بريطانيا.

 

حاوره في القاهرة: محسن حسن

 

*بداية، إلى أين يتجه مؤشر الاقتصاد في القارة الأوربية وخاصة بريطانيا؟
ــ وفقا للتوقعات الاقتصادية عالمياً، فإن اقتصادات العالم أجمع تحقق معدلات نمو بالسالب. أي أن اقتصاداتها تنكمش. وينطبق ذلك بطبيعة الحال على كافة دول أوروبا التي تتراجع معدلات نموها. وبالأحرى فإن بريطانيا تأثرت أكثر من غيرها، بسبب نتائج خروجها من الاتحاد الأوربي BREXIT والذي اتخذ قراره دون أغلبية كبيرة مساندة. وما زالت بريطانيا تسعي لمواجهة الآثار السلبية لهذا الانسحاب، والتي ظهرت في قطاعات التجارة والاستثمار والتوظيف وحرية المرور(الحرية الرابعة). فضلا عن استيعاب موقف أيرلندا المخالف لانسحاب بريطانيا، فقد اتخذت خطوات كثيرة للحد من تلك الآثار. ولا يفوتني التذكير هنا بأن مصر وبريطانيا اتفقتا في مرحلة مبكرة علي عقد اتفاق موازٍ يحافط علي المصالح والمزايا التي كان البلدان يتبادلانها في إطار اتفاق المشاركة المصرية الأوروبية(2004).

 

*بعيدا عن BREXIT، هل هناك عوامل أخرى أدت إلى تراجع المؤشر الاقتصادي البريطاني؟
ــ بالطبع يوجد عوامل كثيرة منها أزمة كورونا الممتدة، ومؤخراً الحرب في أوكرانيا، والتي أعاقت النمو الاقتصادي والتجارة وإمدادات الطاقة من روسيا، كما أن قرارات المقاطعة التي اتخذتها كل من دول حلف شمال الأطلنطي NATO ودول الاتحاد الأوروبي، أثرت على الأداء الاقتصادي لكل بلدان القارة بقدر كبر أو صغر. وطال بريطانيا منه الكثير.

 

*هل تتوقع تعافياً سريعاً لهذا التراجع الاقتصادي الحادث؟
ــ لا يتوقع أحد شفاءً عاجلاً لما يجري في أوروبا وبريطانيا، وفي أحسن السيناريوهات فإذا تمكنت أطراف (صراع الشرق/غرب) الدائر في حلبة أوكرانيا، من التوصل لحل راهن يحفظ ماء وجه جميع الأطراف، فإن المتصور أن الاقتصاد الأوروبي (قد) يبدأ في التعافي مع بدايات سنة 2025.

 

* كيف تقيّم عواقب الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي حتى الآن؟
ــ خسرت بريطانيا الكثير من فرص التوظيف والتجارة والاستثمار والتعاون المشترك والحدود المفتوحة. ولا شك أن أغلب أعضاء الاتحاد الأوروبي لا يمانعون في مواصلة علاقات التبادل التجاري كما كانت وقت عضوية بريطانيا. وأعتقد أن هذا هو الحال الراهن، وأن تدفقات التجارة – في النهاية – لم تتأثر كثيراً. وفي التقدير أن بريطانيا فقدت للآن أكثر من 45 ألف وظيفة بخروجها. وليس من السهل إحلال هذه الخسارة في الأجل القصير.

 

* برأيك، ما أهم الخطوات التي يجب على البريطانيين اتخاذها مستقبلاً؟
ـ أعتقد أن النخب البريطانية بدأت منذ فترة تدرك خطأ قرار الخروج. بل حاولت بعض القيادات طرح فكرة العودة بالتدريج. وجرت مقاومة الفكرة خصوصا من الدوائر التي تفضل التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية وهي بدورها يسعدها أن ترى الاتحاد الأوروبي يختفي برمته؛ لأنها تجد في اليورو تهديداً لهيمنة الدولار. ولا يُخفي الأصدقاء من الدبلوماسيين الأمريكان هذه التمنيات، خصوصا في مواجهة نزعة الاستقلال التي تقودها دول مثل فرنسا، وفي رأيي أن الطريق الوسط هو المتاح حاليا والممكن؛ وهو أن تُبقي بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي على كل ما يمكن من العلاقات التي كانت قائمة في تجارة السلع والخدمات وحركة رأس المال والاستثمارات بقدر الإمكان.

 

* كمتابع فاعل للعلاقات الدولية: ما الذي يرضيك والذي لا يرضيك في علاقات مصر الاقتصادية بالمملكة المتحدة؟
ـ بعد فترة جفاء وقطيعة شهدتها العلاقات بين مصر وبريطانيا خلال مرحلة الاستعمار وأحداث العدوان الثلاثي 1956، عادت تلك العلاقات تدريجيا عندما سادت لغة المصالح بين الدول وتغلب مبدأ (لا عداوات دائمة، ولا صداقات مستمرة)؛ حيث ساهم انتهاء حقبة الاستعمار وقيام السوق الأوروبية المشتركة (1957)، في ظهور سياسة أوروبا الموسعة والتي أخذت مجراها حتي بلغت مرحلة انضمام بريطانيا الذي أقرته حكومة (إدوارد هيث) سنة 1972 ونفذت العضوية في يناير 1973. وفي ظل هذا التكوين عقدت مصر اتفاق التعاون الشامل مع الاتحاد الأوروبي سنة 1976 لتبدأ مرحلة جديدة من العلاقات. والواقع أنني أعد الدبلوماسية البريطانية من بين أعرق دبلوماسيات العالم ذات التقاليد والنظم التي يُحتذي بها، غير أن ما يزعجني أحيانا – وليس كثيرا أو متكررا – هو نظرة التعالي لبعض السياسيين والدبلوماسيين في بريطانيا. وهو ما كنت أرد عليه بحزم وبحقائق ترد المتحدث لصوابه. ومع ذلك نجحتُ شخصياً في تكوين صداقات كثيرة مع بريطانيين طوال فترة عملي وأثناء المفاوضات المصرية الأوروبية (1995/2001) حيث حدث تعاون مع الكثيرين منهم.

 

* بالنظر إلى فقدان 30 ألف وظيفة للبريطانيين لدى أوروبا.. ما البدائل المتاحة للعمالة في بريطانيا من وجهة نظرك؟
ـ المشكلة أن قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي BREXIT اتخذ بأغلبية (هامشية) وبتعجل نسبي، والآن تدفع بريطانيا الثمن؛ خصوصا بعد استبعادها من منطقة التجارة الحرة الأوروبية عندما مرت سنة علي الخروج، ولا أظن أن هناك وسيلة لتعويض الخسائر اللاحقة، فالعالم كله دخل في دوامة الآثار الاقتصادية لوباء الكورونا وللحرب في أوكرانيا. واليوم صوتت أغلبية من الشعب البريطاني في استطلاع للرأي معربة عن الندم علي الانسحاب ونتائجه.

 

* هل تأثرت فاعلية العلاقات الخارجية للمملكة المتحدة بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي؟
ـ بالتأكيد تأثرت علاقات بريطانيا، أولا مع أعضاء الاتحاد السبعة والعشرين، وثانيا مع دول الجوار الأوروبي والدول التي وقَّعت اتفاقيات للجـــوار أو للمشاركة. وقد بدأت بريطانيا في عقد اتفاقيات بديلة مع الدول التي تقبل ذلك من أجل الحفاظ على العلاقات التي كانت قائمة وقت عضوية بريطانيا في الاتحاد. ويعد التراجع المستمر على مدار عامين متتاليين لنشاط الأعمال البريطاني أمراً منطقيا. ليس فقط بسبب نتائج الخروج، وإنما لأن العالم وأغلب اقتصادات بلدان أوروبا تأثرت بأزمتي الكورونا والحرب الأوكرانية اللتان زادتا من صعوبة الأمر الذي سيظل كذلك لفترة . حيث تعددت الأسباب والفقر واحد.

 

* وفقاً للوضع الاقتصادي في بريطانيا هل يمكن أن يمثل الانفتاح على الشرق الأوسط ومنطقة الخليج بديلاً واعداً للبريطانيين؟
ـ بالطبع تحاول بريطانيا إيجاد بدائل، ولكن أمامها مجموعتين من الصعوبات لتحقيق ذلك: الأولي – تتعلق بإجابة السؤال عن أي أسواق يمكن أن تمثل بديلاً موازياً للاتحاد الأوروبي. والثانية – ندركها إذا أدركنا أن إجمالي الناتج المحلي للدول العربية مجتمعة (22 دولة) هو أقل من الناتج المحلي لبريطانيا، وإجمالي تجارتها الخارجية هي أقل من سـنغافورة. فعن أي بديل نتحدث!

 

* من وجهة نظر شخصية: من الأكثر جدارة لتحفيز الاقتصاد البريطاني بعد انتخابات 2024؛ بوريس جونسون أم ريشي سوناك؟ ولماذا؟
ـ ليست العبرة برئيس الوزراء رغم تقديرنا لأهمية اللمسة الشخصية في المعالجة والإقناع بوجاهة الاختيار السياسي أو الاقتصادي. وإنما العبرة بتوافق آراء الأغلبية للاختيار بين مواصلة الخروج والعزلة، أو محاولة العودة. وفي آخر استطلاع للرأي صوتت أغلبية بسيطة لفكرة العودة. ويبقي السؤال: إذا قررت بريطانيا العودة فهل تقبل جميع الدول أعضاء الاتحاد بذلك؟. وما هو الثمن الذي سيكون على بريطانيا تقديمه لهذه الدول؟

 

* بالنسبة للمخطط الاقتصادي البريطاني: ما الإجراء الأمثل تجاه تكرار الإضرابات العمالية في قطاعات متنوعة بريطانية؟
ـ في اعتقادي – وفقاً للدراسة والتجربة – ليس هناك حل اقتصادي أمثل. فالحلول الاقتصادية عديدة ومتنوعة. وقد تقبل بالشئ وعكسه. وعندما عانت ألمانيا من عجز في الميزانية سنة 1983 كان الحل المعتاد هو تخفيض الإنفاق وزيادة الضرائب. لكن وزير الاقتصاد – وقتها (أوتوجراف لامبسدورف) – اقترح خفض الضرائب لتشجيع المؤسسات علي مزيد من الإنتاج والتوظيف. واقترح أيضا تقليص المزايا الصحية التي تقدم للمواطن. وهو الحل الذي اختلفت حوله ورفضته حكومة (هيلموت شميت) وسقطت عندما واجهت البرلمان بهذا الخيار. صوت البرلمان ضدها وأسقطها. وجاءت حكومة (هيلموت كول) بنفس وزير الاقتصاد الذي طبق تلك السياسة (الغريبة). فخفض الضرائب على المؤسسات، وفرض رسماً بعدة (ماركات) على كل فاتورة دواء مجانية، ورسماً رمزياً آخر علي من يبقي في المستشفي أكثر من أسبوع. ونجحت الفكرة وحققت الموازنة فائضاً 60 مليار مارك بعد عجر 40 مليار.

 

* يبقى السؤال مطروحاً: ما الحل بالنسبة لبريطانيا؟
ـ الحل في رأيي بالنسبة لبريطانيا، وغيرها، هو إجراء حوار مجتمعي ومفاوضات مع النقابات للتوصل إلى برنامج يحظي بتوافق عام ومساندة الأغلبية. خاصة وأن الأزمة ضربت العالم كله. وليست بريطانيا وحدها. وليس هناك من قرارات صعبة تشمل تجميد الأجور لفترة وامتصاص التضخم بخفض كمية النقود بمغريات رفع سعر الفائدة والعمل علي زيادة الصادرات إلي أسواق بحجم الصين (ثاني أكبر مستورد في العالم) وأمريكا (أكبر سوق مستورد في العالم) خاصة وأن الأخيرة لا تشعر بالرضا عن قوة الاتحاد الأوروبي ولا تتمني له السلامة.

 

* في ظل تفاقم الأزمات بين البريطانيين: كيف ترى مستقبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟ وهل يمكن أن تنضم مجدداً؟
ـ الأزمة البريطانية الحالية سببها الأكبر أزمة الاقتصاد العالمي المتأثر بالحرب في أوكرانيا، وبوباء الكورونا. وبالطبع فإن عزلة بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي تحد من مقدرة الاقتصاد البريطاني علي المواءمة مع تلك الظروف. خاصة وأن (البديل الأمريكي) ليس بأفضل أحواله. حيث وصلت مديونية أمريكا حدَّا غير مسبوق. وتنكمش معدلات نموها الاقتصادي. ومع ذلك ندرك أن الاقتصاد البريطاني هو من الضخامة بحيث يستطيع استعادة توازنه في المدى الطويل. أما عن استعادة بريطانيا لعضويتها في الاتحاد الأوروبي، فقد قلت في إجابتي السابقة، أنه حتى ولو حدث توافق (بريطاني) على العودة، فليس هناك ضمان ألا تعارض الكثير من دول الاتحاد مثل هذه الخطوة.

 

* كيف تصف علاقتك بالمجتمع البريطاني دبلوماسياً؟
ـ معظم من عرفتهم من الدبلوماسيين أو غيرهم من البريطانيين الذين عملوا في مصر، يشعرون بالمودة نحو القاهرة. وهو شيء مفهوم. فالحقيقة أن سمعة الدبلوماسية المصرية في العالم طيبة للغاية. وقد حصلت علاقات البلدين على دفعة جيدة نتيجة مبادرة السلام المصرية ودعوة الرئيس السادات إلي زيارة دولة في بريطانيا. وجاءت مفاوضات المشاركة المصرية الأوروبية لتعطي دفعات لهذه العلاقات، فقد ساندتنا بريطانيا في مواقفنا خاصة في المفاوضات الزراعية. حيث كانت من الأعضاء المعارضين للسياسة الزراعية الأوروبية لأنها مكلفة، وكانت محور تضرر بريطانيا وألمانيا والدول التي ليست لها مصالح في الدعم الزراعي، ولا تستفيد منه وتدفع تكلفته. وكان ذلك محور الخلاف الذي اندلع وقت رئيسة الوزراء (مارجريت تاتشر) ووصل الوضع إلي أن طلبوا منا رسميا (وهذا سر لم يُذع من قبل) أن نواصل الهجوم على الموقف الأوروبي من الزراعة، على أن يساندوا طلباتنا من الداخل. وفي تلك الفترة قام تعاون قوي مع بريطانيا على المستوى الدبلوماسي.

 

* وماذا عن علاقاتك الشخصية على المستوى الإنساني؟
ــ هي مرتبطة أيضاً بالجانب الدبلوماسي؛ ففي نفس توقيت المشاورات الزراعية التي ذكرتها منذ قليل، قامت صداقة عمل بيني وبين السفير البريطاني بالقاهرة (سير ديفيد بلاتويك). وقبلها جمعتني صداقة وزمالة بسفرائهم في الكاميرون وقت خدمتي فيها. وآخرهم السفير (ويليام كوانتريل) والذي سافرنا معا – وزوجتينا – في رحلة عمل بناء علي استدعاء رئيس غينيا الاستوائية الرئيس(أوبيانج) وقطعنا بالسيارات مسافة 1200 كم ذهابا ثم عودة. وقبلها تزاملت سنة 1977 مع قنصلهم في ريو دي جانيرو (ألن مونرو) الذي أصبح لاحقا وكيلا لوزارة الخارجية وحصل علي لقب (سير) فلما حضر في زيارة للقاهرة طلب من سفيرهم الدعوة لغداء علي شرف صداقتنا. ثم التقينا بالصدفة في مؤتمر اقتصادي دعت إليه وزارة الاقتصاد الإماراتية في أبو ظبي. قبلها كلفني الدكتور عبد القادر حاتم سنة 1971 أن أرافق ضيفه (أندرو فولدز) النائب العمالي في مجلس العموم، وسكرتير لجنة الصداقة البريطانية المصرية/البريطانية . كما كان يشغل منصب (وزير الثقافة في الظل) لحزب العمال. وأمضينا معا وزوجتينا زيارة لمدة 12 يوما بين القاهرة والإسكندرية والأقصر وأسوان واستمرت صداقتنا لسنوات. ولم أكن أسافر إلي لندن إلا وألتقي به. إلي أن توفاه الله. بعدها طلب مني النائب (أندرو فولدز) أن أستقبل بالقاهرة (مارتن إينالدز) سكرتير لجنة العفو الدولية (الأمنستي). وكان في مهمة دقيقة يحاول فيها أن يساعد سجين سياسي مصري كان قد حوكم بتهمة الخيانة لأنه دأب علي مهاجمة مصر من إذاعة تبث من بغداد. ولما جاء حكم الرئيس عبد السلام عارف، سلمه لمصر حيث حوكم، وحكم عليه بالإعدام. وكان مطلوبا أن يُسمح له باستقبال زوار. ووقتها كنت في درجة صغيرة(سكرتير أول) لكن نصحني رؤسائي بأن أسجل طلباته وأن أرفعها بالطريق الرسمي. وسبحان الله فقد أصدر الرئيس السادات وقتها قرارا بتخفيف الحكم إلي السجن المؤبد، وسمح له باستقبال زوار. وسبحان الله علي ما فعله (مارتن إينالدز) بعدها لتكريمي عند مروري بلندن في طريقي للبرازيل.

إترك تعليقك

إترك تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

X