مع تخطّي الواجهات اللامعة والشوارع المضيئة، يتكشّف واقع مرير يعيشه الملايين، ففي بلد يُعرف بتقدمه ورفاهيته، تقف ملايين الأسر على حافة الفقر والجوع في بريطانيا، معتمدةً على بنوك الطعام لتأمين لقمة عيش يومية.
وبينما يُستعد السياسيون لاتخاذ قرارات قد تغير هذا الواقع، يبقى السؤال: هل يمكن لبريطانيا أن تتجاوز هذه الأزمة وتعيد بناء مجتمع أكثر عدالة واستقراراً؟
وفقاً لدراسة حديثة أجرتها جمعية «تراسيل» الخيرية (Trussell)، يعاني أكثر من 9 ملايين شخص في المملكة المتحدة من الفقر والجوع إلى درجة تجعلهم عرضة للاعتماد على المساعدات الغذائية الخيرية، أشارت الدراسة إلى زيادة قدرها مليون شخص إضافي في فئة «الجوع والمعاناة» مقارنةً بخمسة أعوام مضت، وقرابة 3 ملايين شخص مقارنةً بما كانت عليه الأوضاع قبل عشرين عاماً.
وتحدثت المديرة التنفيذية لجمعية «تراسيل»، إيما ريفي (Emma Revie)، قائلة: «إنه عام 2024 ونحن نواجه مستويات تاريخية في الحاجة إلى بنوك الطعام. كمجتمع، لا يمكننا السماح باستمرار هذا الوضع، يجب ألا نصبح معتادين على اعتبار بنوك الطعام أمراً طبيعياً»، وبنوك الطعام هي تعبير المقصود فيه المؤسسات الخيرية غير الربحية التي تقوم بتوزيع الطعام على الناس الذين لديهم صعوبة في شراء ما يكفي من الطعام لتجنب الجوع.
اقرأ أيضاً: دراسة: مرضى الربو في المملكة المتحدة يعانون من الجوع لتوفير المال للدواء
ويشير التقرير إلى أن الأطفال هم الفئة الأكثر عرضة لخطر الجوع والمعاناة، حيث يقع خُمس الأطفال في المملكة المتحدة ضمن هذه الفئة، في حين تُعدّ الأسر الكبيرة – التي تضم ثلاثة أطفال أو أكثر – من الفئات الأكثر عرضة للاعتماد على المساعدات الغذائية.
وعلى الرغم من الضغط الكبير لإلغاء الحد الأقصى لعدد الأطفال الذين يستفيدون من المساعدات في بيان الخريف الحالي، لم تطالب جمعية «تراسيل» بشكل مباشر بإلغاء هذا الحد، وأوضحت الجمعية أن هذه السياسة تؤثر بشكل غير متناسب على العائلات الكبيرة، لكنها لن تعالج بشكل فوري احتياجات العديد من الفئات الأخرى المعرضة لخطر الاعتماد على بنوك الطعام، مثل ذوي الإعاقة ومقدمي الرعاية غير المدفوعة.
وأضافت هيلين بارنارد (Helen Barnard)، مديرة السياسات في «تراسيل»: «نعلم أن إزالة الحد الأقصى للأطفال ستكون خطوة إيجابية للعائلات الكبيرة، ونوافق على أنها جزء حيوي من معالجة المشكلة، ولكن وفقاً لهذه الدراسة، فإنّ غالبية من يواجهون الجوع والمعاناة لن يستفيدوا من هذا التغيير فقط».
اقرأ ايضاً: كيف تعيش بأقل من 1 جنيه استرليني من الطعام يومياً لمدة أسبوع بدون أن تشعر بالجوع؟
ومن المتوقع أن يواجه وزير المالية، راشيل ريفز (Rachel Reeves)، ضغوطاً من نشطاء مكافحة الفقر وأعضاء البرلمان من حزب العمال لإلغاء الحد الأقصى للأطفال، إلّا أن الوزارة ترى أن تكلفة إلغاء هذه السياسة التي تقدر بـ 3 مليارات جنيه إسترليني تعتبر غير ممكنة حالياً نظراً للاحتياجات الاستثمارية المتزايدة في الخدمات العامة.
وتشير «تراسيل» إلى أن إصلاح نظام المساعدات القديم والبخيل في المملكة المتحدة يعتبر أمراً حيوياً للحدّ من استخدام بنوك الطعام، وتطالب الجمعية كخطوة أولى بحماية دخل 2.2 مليون شخص يتلقون تخفيضات شهرية على دخلهم من الائتمان الشامل بسبب الديون القديمة، بالإضافة إلى 120000 أسرة متضررة من الحد الأقصى للمساعدات.
هذا وتقترح الجمعية وضع حد أدنى قانوني للدخل القياسي للائتمان الشامل لتقييد المبالغ التي يمكن للحكومة استعادتها شهرياً، كما تدعو إلى تعديل معدلات إعانة السكن لتتماشى مع الإيجارات وتوفير حماية إضافية لمستفيدي إعانات الإعاقة.