أسرار عدم وجود الجسور في شرق لندن
تابعونا على:

الحياة في بريطانيا

أسرار عدم وجود الجسور في شرق لندن

نشر

في

4 مشاهدة

أسرار عدم وجود الجسور في شرق لندن

تتصدر العاصمة البريطانية قوائم المدن ذات الاختناقات المرورية العالية حول العالم، ويُقدّر متوسط الوقت الذي يضيعه الأشخاص على الطرقات سنوياّ بحوالي 100 ساعة، وهو رقم لا يمكن الاستهانة به، لاسيما عند معرفة أنّ منطقة شرق لندن تختص بأغلب هذه الازدحامات المرورية، والسبب الرئيس وفق مراقبين هو غياب الجسور!

سؤال محير يطرق الأسماع نصه، لماذا يخلو شرق لندن من الجسور، التي تتسبب بمعاناة شبه يومية لعدد كبير من المارين خلال أوقات الذروة من الطرق الرئيسة شرق المنطقة، الأمر الذي يفاقم أزمة الوقود لناحية استهلاك كميات أكبر من المفترض، وكذلك يعزز من تلوث الهواء، والذي سيؤثر مستقبلاً بشكل أو آخر على خطط الحكومة البريطانية بتحقيق صفر انبعاثات مع حلول العام 2050، فما السبب وراء غياب الجسور، التي يبدو أنها ستعلب دوراً حيوياً في حلّ أزمة المرور في حال تواجدها.

سؤال يجيب عنه واحد من المتحمسين الكثر المنتشرين على شبكة الإنترنت، ولكن هذا الشخص، مهتم برسم الخرائط الأمر الذي لفت نظره إلى حالة غياب شبه تامة للجسور عن شرق المدينة، ما دفعه للبحث وراء الأسباب الكامنة وراء هذا الغياب.

ومن الجدير ذكره في هذا الإطار إنّ معاناة سكان لندن مع الازدحام المروري حالة شبه يومية، الأمر الذي دفعهم إلى اعتياد المسألة واعتبارها جزءاً من الروتين اليومي، وبالتالي هم ليسوا بصدد البحث عن حلول.

ومن أشهر المسارات المزدحمة في شرق لندن طابور الطريق السريع (M25) والذي يصل إلى جسر الملكة إليزابيث (Queen Elizabeth)، إلى جانب الاختناق المروري اليومي في نفق “بلاكويل” (Blackwall tunnel) والذي جرى تشييده في عام 1897، ويعتبر هذا الاختناق المروري جزءاً من أي رحلة باتجاه نهر التايمز (The River Thames).

وبالعودة إلى الشاب “جاي فورمان” (Jay Foreman)، وهو صانع محتوى بريطاني، وناشر للفيديوهات التعليمية عبر “يوتيوب” (YouTube)، فقد تابع أمر غياب الجسور، والذي من الواضح أنه لا يشكل أدنى اهتمام عند أحد من القاطنين في لندن فقد اعتاد سكان المدينة غياب الجسور والازدحام.

أسرار عدم وجود الجسور في شرق لندن ويرى فورمان أنّ الجسور تتواجد بكثرة في الطرف المقابل من المدينة، أي غرب لندن فوق نهر التايمز، في حين تغيب باتجاه جسر البرج وصولاً إلى جسر الملكة إليزابيث في “دارتفورد” (Dartford) بـ “كينت” (Kent).

وقال فورمان إن منطقة لندن الكبرى تتخذ شكلها وكأنها لعبة “باكمان” (Pacman)، المتاهة اليابانية التي يتقدم فيها باكمان آكلاً النقاط، هارباً من الأشباح، مؤكداً أنّ الفجوة الاقتصادية بين سكان غرب المدينة وشرقها ربما يكون العامل الحاسم، فمجتمعات الشرق تعيش شبه معزولة عن ضجيج الحياة الذي يتركز في غرب المدينة، والأسباب التي حرمت الشرق من الجسور قد تبدو غريبة للوهلة الأولى ولكن عند معرفتها تصبح مفهومة.

في البداية يحدد فورمان عامل الجغرافيا كعنصر أساسي أسهم في غياب الجسور عن المنطقة، فعلى سبيل المثال منطقة النهر عند جسر البرج، ضيقة ومتعرجة الأمر الذي جعل بناء الجسر أمراً سهلاً نسبياً، وربما يكون هذا السبب الذي دفع الرومان في العصور إلى القديمة إلى اختيار بناء جسر لندن حيث يتمركز، لأنه كان نسبياً من أوسع الأماكن التي يمكن تشييد الجسر عليها.

ومن العوامل الجغرافية التي قللت عدد الجسور في الشرق، أنّ لندن كانت تتمتع بأهمية تجارية في العصور السابقة، إذ كانت المنفذ المائي للبلاد على النهر الكبير، الأمر الذي نشط حركة نقل واستيراد البضائع من وإلى بريطانيا، بسهولة تامة بفضل توفر الممر المائي الواسع.

وبالتالي يعتبر النقل البحري العامل الرئيس وراء غياب الجسور عن شرق لندن، خاصة أنّ لندن كانت تعتبر أكبر ميناء للشحن في العالم حتى أواخر القرن التاسع عشر.

ولأنّ الجسر الوحيد في الشرق هو جسر لندن، تمتع بتصميم مميز تلاءم مع خصوصية النقل في المكان، فقد جاء الجسر كبيراً بفعل حجم النهر في تلك المنطقة، كما أن العناية بتفاصيل تصميمه لناحية السماح باستمرار عمليات الشحن والنقل البحري.

أمّا السبب الأخير والذي حرم شرق لندن من الجسور، هو ببساطة نقص الطلب عليها، إذ لم يسكن الشرق عبر التاريخ أي رؤوس أموال والتي كانت تتركز عادة في غرب المدينة، ولأنّ المدينة محرومة من الأثرياء، لم يكن هناك من يهتم بالمطالبة بالجسور، خاصة أنّ السكان الفقراء غير قادرين على دفع الرسوم التي تترتب على بناء جسور في مناطقهم.

لكن لم تبقى الأمور على حالها مع مطلع القرن العشرين، إذ شهد طرف المدينة الشرقي حركة عمران على صعيد طرق النقل، مع تجديد نفق بلاكويل و”روثرهيث” (Rotherhithe)، ولكن اندلاع الحرب العالمية الأولى في العام 1914، واتباعها بالثانية عام 1939 أعاد توجيه رؤوس الأموال باتجاه غرب المدينة، ليبقى الشرق عالقاً حتى اللحظة دون أي جسر تقريباً وفي ازدحام مروري اعتاده القاطنون في طرف المدينة.

إقرأ أيضاً: عطلة أغسطس المصرفية وازدحام مروري على طرقات المملكة

X