في عصر الاقتصاديات المتنوعة، بزغ اقتصاد جديد يدعى اقتصاد إطالة العمر، ويبدو أن أول من سارع لاستثمار هذا الاقتصاد مليونيرات العالم، لكن ماذا يعني اقتصاد إطالة العمر؟ وهل يمكن حقاً إطالة عمر الإنسان؟
منذ 100 عام كان متوسط عمر الإنسان بالمجمل العالمي بين 30 و50 عاماً، أي من يصل إلى العمر الخمسين يعد معمراً، ويعود السبب في ذلك إلى انتشار الأمراض التي ليس لها علاجات ولقاحات، أما حالياً فمتوسط عمر الإنسان 73 عاماً، ويبدو أنه كلما تقدم العلم تقدم متوسط عمر الإنسان، لأنه وبكل بساطة يتم اقتران تقدم الإنسان بالعمر بالعديد من العلاجات والاحتياطات التي يمكن اتباعها، من نظام غذائي وعلاجات مسبقة لأي مرض.
وبحلول عام 2015 ، تجاوز عدد الذين تجاوزوا الـ 50 من العمر في العالم 1.6 مليار شخص، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا العدد بحلول عام 2050 ليصل إلى نحو 3.2 مليارات شخص، وفق ما ذكرت منصة أوكسفورد إيكونوميكس.
والعام الماضي، تجاوز عدد كبار السن البالغة أعمارهم 50 عاما فأكثر، وعدد الأطفال دون سن 15 عاماً لأول مرة في التاريخ، بصورة عامة، ويتألف عدد سكان العالم البالغ 8 مليارات نسمة الآن من ملياري طفل، ومليارين من كبار السن، و 4 مليارات من الشباب وغيرهم من البالغين وفق ما ذكرت مؤسسة بروكينغز غير الربحية التي تتخذ من العاصمة واشنطن مقراً.
وبحلول عام 2030، من المتوقع أن يكون واحد من كل 6 أشخاص على مستوى العالم في سن الستين أو أكثر، أي ما يقرب من 1.4 مليار شخص إجمالاً، وبحلول عام 2050، من المتوقع أن يصل هذا العدد إلى 2.1 مليار شخص، وفق المنتدى الاقتصادي العالمي.
بالنظرة الأولى لمفهوم اقتصاد إطالة العمر قد نفهم أنه ينطوي فقط على طرق زيادة العمر الافتراضي الإنسان، إلا أن هذا المفهوم يناقش أيضاً مدى مساهمة كبار السن في الاقتصاد العالمي، ووفقاً لهذا فإن معظم كبار السن قد ادخروا أموالاً في بنوك واستثمارات عديدة هذا يعني زيادة إنفاقهم لهذه الأموال في مرحلة الشيخوخة، من تأمين صحي ورعاية، وأنظمة التقاعد، وأسواق العمل، والإنتاجية الإجمالية، ومن المؤكد أن ذلك يأتي ضمن حسابات دارسي الإقتصاد.
ووفقاً لتقرير اقتصاد طول العمر” العالمي الصادر عن مؤسسة “إيه إيه آر بي” عام 2020، ساهم السكان الذين تزيد أعمارهم على 50 عاما بنحو 45 تريليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أو ما نسبته 34% ما يعادل حوالي 3 أضعاف الإيرادات المجمعة لأعلى 100 شركة ربحية في العالم عام 2020، وتتوقع مؤسسة “ورلد داتا لاب” أن يمثل نمو الإنفاق لهذه المجموعة حوالي 5.5% على مدى العقد المقبل، وقد شكل إنفاق كبار السن %42% من اجمالي الانفاق في جميع أنحاء العالم عام 2024، ومع نموهم في العدد والثروة، ستستمر مساهمتهم النسبية في الارتفاع بشكل مطرد.
وفي سباق إطالة العمر، يبدو أن الأمريكيين سباقين لهذا الأمر، فوجدت دراسة أن الفئات ذات الدخل المرتفع، أي أولئك الذين يعيشون في أسر يزيد دخلها على 250 ألف دولار سنويا، كانوا أكثر ميلا إلى إنفاق وقتهم وأموالهم على صحتهم مقارنة بأولئك الذين يعيشون في أسر يقل دخلها عن 50 ألف دولار سنويا، ويؤكد %46 من الأميركيين ذوي الدخل المرتفع إنهم يستخدمون غالبية الدخل التقديري في تحسين الصحة مقارنة بنحو %34 من الأميركيين ذوي الدخل المنخفض، مع استعداد أكثر من نصف الأميركيين ذوي الدخل المرتفع للمشاركة في التجارب السريرية التي تهدف إلى تحسين الصحة.
ولم تنطوي إطالة العمر على العمر الجسدي فقط، إنما يعمل 41% من الأمريكيين ذوي الدخل المرتفع على حماية أدمغتهم من خلال استخدام الحاسوب وألعاب العقل، بالمقارنة يعمل 19% فقط من ذوي الدخل المنخفض على ذلك، علاوة على لجؤء العديد من ذطوي الدخل المرتقع على إضافة التعديل الجيني على أطفالهم بنسبة 40%، مقارنة بذوي الدخل المنخفض من الأمريكيين الذين وصلت نسبتهم إلى 20%، وسيتناول 42% من الأميركيين ذوي الدخل المرتفع أدوية محفوفة بالمخاطر لمشاكل صحية مزمنة.
وقالت أنارجيا فاردانا الشريك العام في مافيرون “مع ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية وتحول الصحة بشكل متزايد إلى امتياز للنخبة أكدت دراستنا فكرة أن السكان الأكثر ثراءً على استعداد للاستثمار في علاجات أكثر تطورا وخطورة، وكلها تقريبا مرتبطة بتكاليف إضافية باهظة”.
ينطوي الاتجاه السائد في مجال تحسين الصحة ومكافحة الشيخوخة على إمكانات استثمارية هائلة، مع إمكانية تحقيق عوائد غير مسبوقة للمستثمرين، ويدفع مليارديرات العالم أموالاً هائلة ويؤسسون شركات ومؤسسات ويمولون أبحاثا علمية ضخمة لهذا الغرض، ومن بين الأسماء الكبيرة مؤسس شركة أمازون “جيف بيزوس” ومؤسسا غوغل “لاري بيج” و “سيرغي برين والمؤسس المشارك لشركة باي بال “بيتر ثيل” ومؤسس أوراكل “لاري إليسون” ومؤسس تسلا “إيلون ماسك” وغيرهم من كبار أثرياء العالم.
وتركز الشركات والمؤسسات التي يمولها هؤلاء الأثرياء على مشاريع متخصصة تكلف مليارات الدولارات في مكافحة الشيخوخة وزيادة العمر الافتراضي للإنسان وصولا إلى “الشيخوخة التي لا تكاد تذكر”.
وتتضمن إستراتيجيات مكافحة الشيخوخة التي يمولونها تجارب ومشاريع علمية متقدمة تشمل البرمجة الخلوية الجزئية (partial cellular reprogramming) الهادفة إلى إعادة برمجة الخلايا وإعادتها إلى حالة الشباب، أو على أقل تقدير عكس التغيرات اللاجينية جزئيا، وهو أحد أسباب الشيخوخة وتقدما في العمر باستخدام تسمى “عوامل يامانكا”.