تجتهد الحكومة البريطانية منذ وصولها إلى سدة الحكم في تقديم حلول للمشكلات العالقة في المجتمع البريطاني، وعلى الرغم من أن تركة الحكومة السابقة ثقيلة وبدأت الحكومة الحالية تنوء تحت وزرها إلا أنّه ومع مطلع كل يوم هناك خبر جديد يعانق أعين المتصفحين وآذان السامعين، والخبر الأخير أنّ حكومة حزب العمال تراهن على اللحوم من المختبر لتكون المصدر الأساسي للبروتين في أسواق بريطانيا.
تمويل بقيمة 1.6 مليون جنيه استرليني حصلت عليه وكالة معايير الغذاء البريطانية (Food Standards Agency)، لتحري مدى موثوقية اللحوم المزروعة في المختبر على الصحة العامة، تمهيداً لاعتمادها في الأسواق كمرحلة لاحقة، وتعتبر الوكالة بمثابة الجهة المسؤولة عن الغذاء في كافة أنحاء بريطانيا.
لكن على ما يبدو أنّ المساعي الجدية في اعتماد اللحوم من المختبر تجعل السؤال حول مدى كون هذه اللحوم صحية وآمنة مشروعاً، لاسيما في إطار الاعتقاد السائد بأن التقليل من ذبح الحيوانات سيترك أثراً إيجابياً على البيئة ويسهم في إنقاذ الكوكب.
للإجابة على هذا السؤال لابد من التعرّف على الطريقة التي يتم من خلالها إنتاج هذه اللحوم، والتي تعتبر خطوتها الأولى اختيار الخلايا التي سيتشكل منها نسيج قطعة اللحم، والتي عادة ما تؤخذ من بيضة مخصبة، وتكون الخلايا ذات جودة عالية لضمان نمو لحوم آمنة وذات جودة عالية.
أمّا طريقة زراعة قطعة اللحم فتكون من خلال تغذية هذه الخلايا المختارة بمزيج غني يحتوي على الماء والسكريات والأحماض الأمينية إلى جانب الأملاح والمعادن والفيتامينات، وتستغرق عملية التحضير في أنابيب المختبر مدة ثلاثة أسابيع ينتج بعدها قطعة لحم تشبه صدر الدجاج بالشكل والمواصفات، لكنها في الصفة لحم مستدام تم إنتاجه في مفاعل حيوي يتخذ صفة مصنع.
ومن بين الشركات الداخلة في الصناعة شركة “أبسايد فودز” (Upside Foods) الدولية، والتي تستقر في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، ويعد القائمون عليها بمستقبل غذائي أكثر استدامة من خلال إدخال اللحوم التي يزرعونها بالمختبرات في النظام الغذائي للناس حول العالم.
وقالت ميليسا موسيكر مديرة قسم الاتصالات في الشركة أنهم تجاوزوا مرحلة الاستنبات، وأن الإنتاج سيكون أشبه بخط إنتاج لمعمل خمور أكثر منه مختبر، وبدلاً من آلات العصر سيكون هناك مفاعلات حيوية من الفولاذ تنتج اللحوم المزروعة.
وكانت الشركة قد بدأت قبل عشرة أعوام من فكرة لمعت في ذهن الطبيب أوما فالتي، الذي عمل على مساعدة مرضى النوبات القلبية باستخدام الخلايا الجذعية لتجديد التالفة منها في القلب، وقرر نقل التقنية ذاتها إلى المصنع، وبالفعل بدأ بزراعة اللحوم في شركة أبسايد فودز منذ ذلك الوقت، لتصل إلى معدل إنتاج سنوي يتجاوز ال22 ألف كيلو غرام من الدجاج، ومن المقرر مضاعفة الإنتاج في السنوات القادمة.
بالطبع ليست أبسايد فودز الشركة الوحيدة التي تتخصص في زراعة اللحوم بل هناك أيضاً أمثلة لشركات أخرى مثل “بلو نالو” (BlueNalu) التي تزرع تونة البلوفين، وهناك أيضاً “إيت جست” (Eat Just) وتتنوع تقنيات زراعة اللحوم بين هذه الشركات، فبعضها يفضل أخذ الخلايا التي يتم إنتاج اللحوم منها من حيوانات حية.
ومن المتوقع أن تدخل المملكة المتحدة إلى سوق اللحوم المزروعة قريباً بعد التمويل الأخير الذي تلقته وكالة معايير الغذاء، ويرى تيم سبكتور، أستاذ علم الأوبئة الجينية في كلية “كينغز لندن” (King’s College London) أن اللحوم المزروعة مناسبة حتى يعيد البريطانيون النظر في أنظمتهم الغذائية، ويتجهوا نحو الأغذية النباتية، مؤكداً أن الانتقادات التي تلقتها منتجات اللحم المزروع المعالجة مثل “بيوند ميت” (Beyond Meat) و”إمبوسيبل برغرز” (Impossible Burgers) غير عادلة، لاسيما أن منتج البرغر المزروع أكثر فائدة من ذلك التقليدي.
وفي ظل تجاذبات بين مؤيد للفكرة ومعارض لها تستمر الحكومة البريطانية في دعم الصناعة الحديثة، وتوفير كل مايلزم لدفع عجلة الإنتاج إلى الأمام وسط مخاوف جدية في الأروقة الاجتماعية في أن يكون تناول هذا النوع من اللحوم يجعل الفرد عرضة للإصابات السرطانية لاسيما أن هذه الخلايا تتشكل في زمن قياسي.
لكن تجدر الإشارة إلى خلو هذا النوع من اللحوم من المضادات الحيوية والهرمونات بالإضافة إلى عدم التعرض للمخاطر البيئية الأخرى كالإصابة بفيروس إنفلونزا الطيور على سبيل المثال لا الحصر، الأمر الذي يرفع من شعبية هذه اللحوم عند المستهلكين لها.