وسط الحقول الخضراء التي تحكي قصة أجيال من العمل الشاق، وداخل مزارع تحتضن إرث عائلات بأكملها، يشتعل الغضب في قلوب المزارعين البريطانيين، وليس فقط لأن السياسات الجديدة تهدد توازنهم الاقتصادي، ولكن لأنها تحمل طابع «الخيانة» حسب وصفهم.
ففي لندن (London)، تخلت الجرارات عن حقولها لتقف في شارع داونينغ ستريت (Downing Street)، وكان السؤال المطروح: هل يمكن أن يثمر هذا الغضب الجماعي عن تغيير في قرارات الحكومة، أم أن المزارعين سيواجهون المستقبل بعبء أثقل ممّا توقعوا؟
وفي التفاصيل، تتصاعد أزمة المزارعين في المملكة المتحدة مع الحكومة البريطانية بسبب التعديلات الجديدة على ضرائب الميراث، وأثار هذا الجدل جدالاً واسعاً بين الوزراء ومنتجي الأغذية، حيث أعرب المزارعون عن شعورهم بـ«الخيانة»، وفقاً لرئيس الاتحاد الوطني للمزارعين توم برادشو (Tom Bradshaw).
اتهم برادشو، رئيس الاتحاد الوطني للمزارعين (NFU)، الحكومة البريطانية بالخيانة بعد أن أعلنت ميزانية جديدة تفرض ضرائب على المزارع التي تتجاوز قيمتها مليون جنيه إسترليني، بمعدل 20% على الأصول التي تتجاوز هذا الحد، بدلاً من الإعفاء الكامل السابق، وقال برادشو أمام حوالي 600 مزارع تجمعوا في لندن: «لم أرَ القطاع بهذه الدرجة من الغضب والإحباط من قبل». وأضاف أن هذه السياسات «صممت بناءً على بيانات خاطئة ودون استشارة المتخصصين».
وشهدت شوارع لندن مظاهرات واسعة نظمها المزارعون، حيث تجمع الآلاف بالقرب من مقر الحكومة في شارع داونينغ ستريت (Downing Street)، مصحوبين بجرارات زراعية وشعارات مثل «ستارمر يضر بالمزارعين»، ومن بين المشاركين، كانت سو هوسغود (Sue Hosegood)، مزارعة ألبان من ديفون وزوجها وليام، الذين أعربوا عن قلقهم بشأن مستقبل أبنائهم الثلاثة العاملين في المزرعة.
اقرأ أيضاً: خسارة المزارعين وتضرر المحاصيل في بريطانيا يثير مخاوف ارتفاع أسعار الغذاء
وفي تفاعله من ذلك، نفى رئيس الوزراء كير ستارمر (Keir Starmer)، الموجود في قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو (Rio de Janeiro)، أن يكون هذا الإجراء جزءاً من «حرب طبقية»، وأكد أن الحكومة تسعى لتبني نهج متوازن لتمويل الخدمات العامة مثل المدارس والمستشفيات في المناطق الريفية، وقال لشبكة سكاي نيوز (Sky News): «علينا سد العجز المالي الذي تركته الحكومة السابقة».
أما وزير البيئة ستيف ريد (Steve Reed)، فقال إن المزارعين الذين يحتجون على الإجراءات «مخطئون»، وأضاف: «لا أعتقد أن الجمهور سيعتبر من غير المعقول أن يدفع أصحاب الأصول التي تقدر بملايين الجنيهات ضرائب الميراث».
وأبدى العديد من المزارعين قلقهم من تأثير الضرائب الجديدة على أعمالهم، فعلى سبيل المثال، قال فيليب غرينهيل (Philip Greenhill)، وهو مزارع من نورث ويلتشاير (North Wiltshire)، إن العلاقة بين قيمة أصول المزرعة وأرباحها غير متوازنة، مشيراً إلى أنه يمكن أن تكون للمزرعة أصول بقيمة 5 ملايين جنيه، لكنها تحقق أرباحاً سنوية قدرها 50 ألف جنيه فقط.
اقرأ أيضاً: ستارمر يخلف بوعود حزبه ويبشّر بـ «قرارات صعبة»!
ووفقاً للاتحاد الوطني للمزارعين، فقد حصلت حملتهم ضد التعديلات الضريبية على دعم أكثر من 200,000 شخص، ودعا برادشو الحكومة إلى التفاوض من جديد للتركيز على استهداف كبار ملاك الأراضي الذين يستخدمون المزارع كوسيلة لتجنب ضرائب الميراث.
هذا وشارك مقدم برنامج كلاركسون فارم (Clarkson’s Farm)، جيريمي كلاركسون (Jeremy Clarkson)، في دعم المزارعين خلال الاحتجاجات، وقال كلاركسون للحشود: «أرجو من الحكومة أن تتراجع وتقبل أن هذا القرار كان متسرعاً وغير مدروس».
ويأتي هذا بعد أن كشفت راشيل رييفز، المستشارة المالية لحكومة حزب العمال، عن خطة ضريبية بقيمة 40 مليار جنيه إسترليني تستهدف الشركات وأصحاب الثروات في بريطانيا، وذلك ضمن أول ميزانية يقدمها الحزب منذ 14 عامًا.
وشددت رييفز على أن زيادة الضرائب ضرورة لإعادة التوازن المالي ووضع حد لسياسات التقشف المستمرة منذ أكثر من عقد. وصرحت قائلة: «لا سبيل لتحسين مستوى المعيشة وتحقيق نمو اقتصادي مستدام سوى بالاستثمار المستمر. لا توجد حلول سريعة، وللتمكن من ذلك يجب استعادة الاستقرار الاقتصادي وإنهاء الحقبة الماضية».
اقرأ أيضاً: ميزانية بريطانيا 2024: ضرائب على الأثرياء والشركات