سجلت الإقامة مع الوالدين في بريطانيا أعلى مستوى لها منذ عشرين عاماً، إذ أظهرت دراسة حديثة أن 1.7 مليون شاب ممن تتراوح أعمارهم بين 24 و34 عاماً يعيشون مع والديهم، وهو ما يمثل نحو 20% من إجمالي الشباب في بريطانيا.
وفي الفترة من 1998 حتى 2017، ارتفعت نسبة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و34 سنة ممن يعيشون في منزل الوالدين بالمملكة المتحدة، من 2.4 مليون إلى 3.4 مليون شاب، كما بلغ عدد الشباب الذين يسكنون مع والديهم عام 2006 حوالي 450 ألف شاب، بما نسبته 13% من إجمالي الشباب في بريطانيا.
الأبحاث الصادرة عن معهد الدراسات المالية (IFS)تشير إلى ازدياد عدد الشباب البريطانيين في أعمار العشرينيات والثلاثينيات الذين يلجؤون للإقامة المشتركة مع والديهم، وذلك لأسباب عديدة منها تدني الأجور والتكلفة الباهظة للإيجارات خصوصاً خلال السنوات الأخيرة، وارتفاع أسعار المنازل التي يتم عرضها للبيع.
وتزداد ظاهرة الإقامة مع الوالدين في بريطانيا في العاصمة لندن إضافة للمناطق ذات التكلفة السكنية المرتفعة، وتظهر تقارير معهد الدراسات المالية أن ثلثي الآباء الذين يعيشون مع أبنائهم البالغين يملكون المنازل التي يسكنونها، بينما يعيش 25% منهم في مساكن اجتماعية.
وتشهد بريطانيا خلال الفترة الأخيرة ارتفاعاً غير مسبوق بإيجارات المنازل، حيث تشير تقارير مكتب الإحصاءات الوطنية عام 2024 إلى ارتفاع الإيجارات بنسبة 8.7% سنوياً لجميع المستأجرين، وباتت تكلفة استئجار العقارات الجديدة شهرياً أعلى بمعدل 270 باوند شهرياً في لندن مقارنة بما كانت عليه تكلفة هذه الإيجارات في نهاية وباء كورونا، وتشير الأرقام إلى أن الأشخاص ذوي الدخل المنخفض والطلاب هم الأكثر تضرراً من هذا الارتفاع.
وتشير الدراسات إلى انخفاض نسبة الشباب المقيمين مع والديهم كلما تقدم هؤلاء الشباب في العمر، وبينما يعيش 43% من الشباب بعمر 25 عاماً مع والديهم، تنخفض هذه النسبة إلى 9% في سن 34 عاماً، كما يميل الرجال للعيش مع والديهم بنسبة 12% مقابل 5% للنساء في سن 34 عاماً.
وتعود الإقامة مع الوالدين في بريطانيا بفوائد مالية على الشباب، لجهة توفير نحو ألف باوند شهرياً من الإيجار، فضلاً عن العديد من الأسباب الأخرى التي تدفع الشباب للعيش مع والديهم، منها انتشار المشكلات النفسية والصحية بين الشباب بعد وباء كورونا، وانخفاض معدلات الزواج والإنجاب بين الشباب من الفئة العمرية 24-34 عاماً.
وبشكل عام تشهد ظاهرة إقامة الشباب مع الوالدين تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في الولايات المتحدة وأستراليا وكندا، بينما كانت معدلات الإقامة المشتركة أقل في الدول الإسكندنافية وأعلى بكثير في دول جنوب أوروبا.
وفي ظل الأسباب التي تدفع الشباب للسكن مع والديهم، أكد مكتب الإحصاءات الوطنية (ONS) أكد ارتفاع معدل البطالة بين الشباب (16 -24) عاماً إلى أعلى مستوى منذ أكثر من ثلاث سنوات، إذ بلغ عدد الشباب العاطلين عن العمل 597 ألفاً من مايو إلى يوليو عام 2024، وهو ما عزز الدعوات لتحسين مستوى الأجور وتعزيز حقوق العمال في مختلف القطاعات.
كما أظهرت دراسة أجراها مركز العدالة الاجتماعية البريطاني أن 31.4 مليون شاب من الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً يشعرون بالوحدة لبعض الوقت، بنسبة 70 % مقارنة بـ 32 % من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 75 عاماً، مشيرة إلى أن كبار السن هم الفئة العمرية الأقل شعوراً بالوحدة في بريطانيا، وذلك بسبب مشاركتهم في مجتمعاتهم، وإقبالهم للدردشة مع جيرانهم، ومشاركتهم في أعمال تطوعية غير مأجورة.
وفي مقابل ارتفاع ظاهرة الإقامة مع الوالدين في بريطانيا أظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة الغارديان أن ملايين الآباء يعانون من مشاكل في صحتهم العقلية وسط ارتفاع تكاليف المعيشة ونقص رعاية الأطفال وقلة خدمات الدعم، ووفق الاستطلاع أعرب 61% عن مخاوف بشأن صحتهم العقلية، القسم الأكبر منهم من أصحاب الدخل المنخفض، كما أعرب 49% من الآباء عن شعورهم بالإرهاق، و36% عن شعورهم بعدم الدعم، في حين عبر 26% ممن شملهم الاستطلاع عن شعورهم بالوحدة طوال الوقت.
ومن المتوقع أن يصل عدد السكان في المملكة المتحدة إلى 77 مليون شخصبحلول عام 2050، مما قد يجعل بريطانيا البلد الأكثر سكانا في أوروبا، وتبين التقارير أن بحلول عام 2035 سوف يكون 23٪ من السكان يكون فوق 65 سنة، وأن متوسط أعمار ستكون 42 سنة.