منذ طفولتها، سافرت في رحلة عبر صفحات الكتب، واكتشفت عالمًا غنيًا لا حدود له، حلمت أن تكون جزءاً من هذا العالم، وأن تشارك في نسج تفاصيله بكتابة ما يدور في مخيلتها.
بدأت رحلتها بإرسال بعض ما تكتبه إلى الصحف والمجلات العربية، ثم مضت قدماً لطباعة أول مؤلفاتها، ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف عن الإبداع والتألق في عالم الكتابة.
هي الكاتبة والأديبة “زينب البحراني”، التي أسرت قلوب القراء برواياتها الرومانسية، وأثارت أذهانهم بمقالاتها النقدية، وألهمتهم بقصصها القصيرة.
في هذه المقابلة، تتحدث الكاتبة السعودية زينب البحراني “لأرابيسك لندن” عن مسيرتها الأدبية، وتُسلط الضوء على تجاربها وتحدياتها، وآرائها حول قضايا الكتابة والنشر، واهتمامها بقضايا المرأة، وتأثرها بأدباء كبار، ونصائحها للشباب الراغبين في دخول مجال الكتابة.
حاورتها: بيداء قطليش
- كيف بدأَت رحلتك في عالم الكتابة؟
بدأَت بالغوص منذ الطفولة في أعماق مُحيطات القراءة حيث المتعة العقليَّة التي لا تعرف حدًا أو نهاية، من تُدمن روحه هذا العالم الغامر بالسحر والمُفاجآت لا يمكنه إلا أن يتمنى بأن يكون جُزءًا منه، ويصعُب أن يكون جزءًا منه إلا عن طريق المُشاركة في نسج تفاصيله بكتابة ما يدور في مُخيلته ثم نشره لينتقل إلى عقول أُخرى..
كان إرسال بعض ما أكتبه إلى الصحف والمجلات العربية مغامرة لذيذة في البداية، قبل أن يتحوَّل إلى هواية مُحببة، شعور الحُرية الروحيَّة الذي يمنحه سَفَر الكلمات إلى عقول وقلوب أُخرى أكبر من أن تحتويه الأبجديَّة بأي وصف.. ثم سعيتُ لطباعة أوَّل مؤلفاتي على أمل أن يكون بمثابة رسالة تُحلِّق باسمي وأفكاري ومشاعري إلى مئات القُرَّاء في العالم العربي وبلاد المهجر، وما زلتُ حتى اليوم أُبحِرُ في بحار الكلمات بسعادة.
- كاتبة مقالات، مؤلفة قصص، وخُضتِ تجربة إبداع بعض النصوص الشعريَّة، لكن تأليف الروايات هو الذي تربّع على عرش سُمعتك الأدبيَّة فصرتِ مُصنَّفة باعتبارك “مؤلِّفة روايات رومانسيَّة“..برأيك ما السبب؟
ربما لأن روايتي “هل تسمح لي أن أُحبَّك؟” المنشورة عام 2013م كانت الأكثر قُربًا من نفوس القُرَّاء فضلاً عن كونها الأعلى توزيعًا ومبيعًا من بين كُل أعمالي.
نحنُ في عصرٍ يتظاهر البشر فيه بمُحاربة الرومانسية والزعم بأنها مُجرد وهم، بينما في أعماقهم مازالوا يتوقون لإشباعٍ نفسي من هذه الناحية، ولأن هذا الإشباع غير مُتحقق على أرض الواقع يأتي اللجوء للأغاني والأفلام والمسلسلات والروايات التي تُحققه لهم سرًا دون أن تُفتضح حقيقة أنهم بشر بمشاعر طبيعية تشعر بالحزن والحنين والتوق والاحتياج إلى من يهتم بهم مهما كانت ظروفهم أو أعمارهم.
- هل واجهتِ بعض التحديات بدايات دخولك المجال الأدبي؟
بكُل تأكيد، فالمجال صعب والاكتفاء بِرَص الكلمات على الدفاتر لا يكفي وحده للنجاح في هذا المجال، إضافة إلى مُشكلة كوني من أُسرة مُحافِظة وبيئة لا تُرحّب باختيار المرأة مجالاً من مجالات الاتصال الجماهيري التي تكون جسرًا نحو الشُّهرة.
اقرأ أيضاً: من هي سيدة الأعمال السعودية بيان محمود زهران؟
- وهل ثمة تحديات مازلتِ تواجهينها ككاتبة؟
الكثير! التحديات الأساسية ليست في مضمار الكتابة؛ بل في ما يتبعها من نشر للأفكار المكتوبة، وهي مسألة لا تقل أهمية عن الكتابة لأن النشر هو الوسيلة التي يتم بها إيصال الرسالة “المادة المكتوبة” من المُرسِل “الكاتب” إلى المُستقبِل وهو “القارئ”، دون نشر لا جدوى من الكتابة إلا باعتبارها مُحاولات تدوينيَّة شخصية بهدف التعافي أو لتحرير الروح من بعض أحزانها وهذا ليس هدفي الوحيد.
لعل من أبرز التحديات “قيود التعبير” التي تتعقد أكثر بسبب سيادة الرأي العام للفئات الأقل وعيًا من عامَّة المُجتمع على وسائط التواصُل الاجتماعي بحيث يمكنهم تدمير حياة الكاتب كاملة على مُختلف الأصعِدة الأُسريَّة والمُجتمعية والمِهنية والنفسيَّة بمجرد إثارة هجوم مسعور ضد فكرة بسيطة عبَّر عنها بحُسن نيَّة فعمد بعض الجُهلاء أو الخُبثاء إلى تحميلها أكثر مما تحتمل.
في الماضي كان الرأي لذوي الرأي الأدبي أو من يملكون حدًا أدنى من الوعي والثقافة التي تؤهلهم لقبول نشر آرائهم عبر الصحف والمجلات، الآن صار كل من هب ودب يُهاجم المُبدع أو المشهور في أي مجال لمجرد أنه سمِع من مكانٍ ما أن مضمون ما قدمه هذا المُبدع لا يتفق مع الرؤية العامة لفئة من المُجتمع!
ثمة تحدٍ آخر يتجلَّى في صعوبة تحصيل الحقوق الماديَّة التي يستحقها العمل المنشور – كيفما كانت صيغته- من مُعظم المُستفيدين منه، بل كثيرًا ما يتم طلب خدمة الكتابة دون إشارة إلى الأجر المادي من قريب أو بعيد! صادفتُ في طريقي شركات مهنتها الأساسية “كتابة المحتوى” تطلب منَّا أعمالاً وتستفيد منها دون أن تدفع شيئًا! مُخرجون مُبتدئون يطلبون سيناريوهات أفلام قصيرة وقصص أولى من مُسلسلات مع شروط كثيرة ومُطالبات بالحذف والإضافة والتغيير دون أن يدفعوا قرشًا! مؤسسو مجلات إلكترونيَّة يطلبون بذل جهد كبير من الكاتب لمُشاركتهم تحريرها دون أن يدفعوا! أما أزمة دور النشر التي توزع كتاب المؤلف هنا وهناك ولا تدفع أي شيء رغم تأكدك من أن مُعدَّل البيع ليس صِفرًا فهي ظاهرة يشكو منها الجميع!
هذه المُشكلة هي السبب الأساسي في حرمان المُبدع أدبيًا من التفرُّغ للكتابة بعيدًا عن الاضطرار للبقاء سنين طويلة في سجن وظيفة لا علاقة لها بالإبداع في سبيل لقمة العيش، وبهذا يتم استنزاف وقته وجُهده ومشاعره طوال النهار وإجباره على ظروف لا تليق بمستواه الإبداعي ولا سُمعته الأدبيَّة..
نحن نُعاني من مُشكلة عدم وجود وكالات مُتخصصة بإدارة أعمال المُبدعين الموهوبين لا سيَّما الكُتَّاب والمؤلفين كما يحدث في بعض بلدان أوروبا وشرق آسيا، وكالات تُسوّق لاسم هذا المُبدِع بصورة صحيحة، وتتولى اختيار أفضل الفُرص ذات المردود المادي الجيد له، وتُدافع عنه ضد حملات الهجوم غير المُبررة.. من دون مشروع من هذا النوع سيظل الكاتب أعزل وحيدًا في مهب الريح.
- من خلال أعوام تجربتك في مجال الكتابة الأدبية؛ ما هو أكثر ما يجتذب القارئ العربي لمُطالعة المُحتوى المكتوب والتأثُّر به؟
الصدق! الصدق أولاً وثانيًا وثالثًا وعاشرًا ثم أناقة اللغة. مع اضطرار البشر هذه الأيَّام للعيش في عالمٍ مشحون بالرياء والأكاذيب تكون طاقة الصدق المخبوءة بين الحروف هي أسرع طريق لقلب القارئ من قلب الكاتب، واللغة التي تمتاز بقدرٍ من الأناقة ضرورة لإشباع مشاعره بلذّة موسيقاها فيجد نفسه تواقًا لتلقِّي المزيد من ذاك السحر.
اقرأ أيضاً: بريطانيا مصدر إلهام الأدباء العالميين.. إليكم أفضل الفنادق الأدبية التي تحتضنها
- ما هي القضايا أو المواضيع التي تُفضلين طرحها في كتاباتك؟ وكيف تقومين باختيار المواضيع؟
غالبًا ما تُدغدغ فكرةً ما مشاعر المؤلف كإلهامٍ من عالم الأثير، بعض هذه الأفكار تستحوذ على مشاعري وعقلي استحواذًا عميقًا فتقودني لكتابتها، أي أنها هي التي تختارني لا أنا التي أختارها.. إنني أعتمد على حدسي ومشاعري إلى حدٍ كبير لأنني لاحظتُ أن هذه الطريقة تنجح نجاحًا مُنقطع النظير في ولادة نصوص قادرة على التأثير بالمُتلقّي.
- لديكِ قصة واحدة للأطفال عنوانها “مُنير المليونير”؛ هل تفكرين بنشر أعمال أخرى تنتمي لهذا التصنيف الأدبي؟
أجل، لدي مخطوطة قصة جديدة للأطفال وآمل أن يوفقني رب العالمين لنشرها في الوقت المُناسب، لكنني – بوجهٍ عام- أُفضّل الغوص في عالم الكبار والكتابة لهم أكثر من الأطفال.. الإنسان في منطقتنا العربيَّة ما أن يبلغ سن الرشد حتى ينحسر الاهتمام عن مشاعره وأحلامه ورغباته وكأنه تحوَّل إلى شيء لا قيمة لكيانه رغم أنه المُحرّك الأساسي لأحداث الواقع المُجتمعي والاقتصادي وغيرهما، هذا الإنسان يحتاج أحيانًا إلى اهتمام يوازي الاهتمام بالأطفال في مُختلف المجالات أحيانًا لمُساعدته على اكتشاف نفسه الحقيقية والتعافي من عُقده وأوجاع روحه.
- من المُلاحظ مؤخرًا أن قلمك اختار كتابة المقالات التي تركز على أخبار الأعمال الفنية الدرامية والسينمائية ونجوم الفن.. ما الذي اجتذبكِ نحو هذا المجال؟
العمل الدرامي والعمل الأدبي السردي وجهان لعُملةٍ واحدة وهي “فن نقل الحكاية” وإن اختلفت الوسائل، عالم التلفاز يحظى ببريقٍ ساحِر وغلالةٍ جذَّابة تدعو عاشق الصورة المُتحركة لقراءة المكتوب عنها، وباعتباري من عُشاق ذاك العالم الساحر والمُتوغلين في مجاهله قراءةً وتنقيبًا وبحثًا فإنني أعيش سعادة عُظمى بالتحول إلى جزء منه لا سيما وأنهُ مدخلٌ لاكتشاف الكثير عن جوانب من التاريخ الذي لا نعرفه وجوانب خفية من واقع مُجتمعاتنا العربية.
اقرأ أيضاً: من هي سيدة الأعمال السعودية سارة العايد؟
- من هم أبرز المشاهير الذين تطرَّقت مقالاتك لجوانب من مسيرتهم أو أعمالهم؟
كثيرون.. نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: نجمة الإعلام الثقافي د. بروين حبيب، النجم السوري ياسر العظمة، نجم الكوميديا عبد السلام النابلسي، النجم البحريني الصاعد حسن محمد، ماكيير مشاهير الفن والسياسة محمد عشوب، كاتب السيناريو المُبدع ووزير الثقافة السابق الدكتور رياض نعسان آغا، وآخرون.
- كثيرٌ من مقالاتك تُركز اهتمامها على قضايا المرأة، هل لهذا الاهتمام علاقة بتجربتك مع القيود في البيئة التي قد لا تسمح للمرأة بتحقيق بعض طموحاتها كما أشرتِ من قبل؟
إلى حدٍ كبير.. كي يشعر الإنسان بقضيَّة ما شعورًا حقيقيًا لا بد وأن يكون جرَّب شيئًا من الوجع الكامن وراء كواليسها، ما يجعله قادرًا على فهم مُعاناة الأشخاص الذين مازالوا يُكافحون للوصول إلى نموذج حياةٍ أفضل.. من حُسن حظنا اليوم كنساء تمكين معظمنا من نعمة التعليم، هذه النعمة التي جعلتنا قادرات على التعبير عن مُشكلاتنا العامَّة بصورةٍ تطرح تلك القضايا على طاولة المُناقشات ثم الحلول وصولاً إلى عالمٍ أكثر احترامًا وتقديرًا لحق المرأة في الحياة والطموح دون قيود مُجحِفة.
- هل ثمَّة أُدباء أو كُتَّاب تأثرَت بهم مسيرتك الأدبيَّة؟
كثيرون جدًا.. على سبيل المثال لا الحصر؛ الشاعر نزار قباني، الأديبة غادة السمَّان، الأديب غازي القصيبي، ومن غير العرَب الأديبة إيميلي نوثومب، والأديب باتريك زوسكند.. وآخرون.
اقرأ أيضاً: من هو رجل الأعمال السعودي أديب السويلم؟
- كيف تتعاملين مع الانتقادات والآراء المُتناقضة حول أعمالك؟
أتعامل معها باعتبارها “ظاهرة صحيَّة” في مُجتمعنا العربي، هذا النوع من الآراء يعني أن المجتمع يقرأ أعمالي من جهة، وأنها حرَّضَت خلايا عقله لتكوين رأي ما – سواء كان سلبيًا أو إيجابيًا- منجهة أُخرى.
نحن بأمس الحاجة لمثل هذا النوع من الحراك العقلي الجاد الحُر للارتقاء بالذوق العام تدريجيًا.
- هل من نصائح للراغبين في دخول مجال الكتابة من الشباب؟
ابذلوا ما بوسعكم لاكتشاف ذواتكم الحقيقية بكل طريقة ممكنة لتُعبروا عنها بحُريَّة، طوروا أدواتكم الإبداعيَّة باستمرار، حاولوا تكوين علاقات جيدة مع الوسط الثقافي المؤثر في مُحيطكم قدر المُستطاع، لا تيأسوا مهما بدت أولى خطوات النجاح بعيدة.
أشكُر “أرابيسك لندن” على رؤيتها الثاقبة في اختيار نماذج إنسانية مُجتهدة واستثنائيَّة لتسليط الضوء عليها من خلال محاورتها ليكتشف المزيد من القُرَّاء وجودها ويتعرَّفوا إلى ما تُقدّمه، فالإعلام المتميز هو الذي يستخرج اللآلئ من أعماق البحار ولا يكتفي بإعادة تصوير الجواهر التي سبق وأن رآها الناس من قبل كثيرًا وراء نوافذ عرض المتاجر الكُبرى.. أتوقع لكم مُستقبلاً واعِدًا في حمل مشعل رسالتكم الإعلاميَّة.