“ما زلت أستيقظ كل صباح متحمساً لتنفيذ وعدي لسكان لندن: جعل لندن مدينة أكثر عدلاً حيث يحصل الجميع على الفرص التي وفرتها مدينتنا لي ولعائلتي “.
بهذا الخطاب توجه عمدة لندن الحالي، صادق خان، إلى سكان العاصمة البريطانية، واعداً إياهم بمزيد من الإصلاحات في
برنامجه الانتخابي الجديد لانتخابات عمدة لندن 2021.
السياسي البريطاني باكستاني الأصل، كان قد ترشح في انتخابات عمدة لندن عن حزب العمال وفاز بها في أيار 2016
وبذلك يكون أول بريطاني مسلم يتسلم منصب عمدة لمدينة لندن في بريطانيا.
وبرغم من كونه حمل شعار “الدفاع عن الأقليات”، إلا أن معظم هؤلاء الأقليات وأكبرهم حضوراً من حيث التعداد السكاني، وهم
“الجالية العربية“، لم يجدوا في صادق خان مدافعاً حقيقياً عن حقوقهم.
اليوم، يتضمن برنامج خان الانتخابي العديد من الوعود التي ستشكل تحديات كبيرة له، لا سيما أن شريحة واسعة من
اللندنيين لم يكونوا راضين عن أدائه سابقاً. فهل حقاً سيفي خان بوعوده تجاه اللندنيين بشكل عام وتجاه عرب لندن بشكل خاص هذه المرة؟
الحد من البطالة وتأمين الوظائف
تضمن برنامج خان الانتخابي وعوداً بحماية الوظائف الحالية للسكان، ودعم الشركات لإنشاء وظائف جديدة جيدة الأجر،
ومنح الناس التدريب والمهارات التي يحتاجون إليها للعثور على عمل، بالإضافة لدعم الشركات ورجال الأعمال في لندن.
لكن أحدث الأرقام الرسمية تؤكد ارتفاع نسبة البطالة في المدينة إلى مستويات قياسية، حيث أظهرت أرقام مكتب
الإحصاء الوطني أن عدد سكان لندن الذين يطالبون بإعانات البطالة قفز بالفعل بنحو 185 في المائة، لا سيما مع انتشار جائحة كورونا.
مكافحة الجريمة
يزعم صادق خان، من خلال برنامجه الانتخابي، أنه يقف في مواجهة الجريمة، ويرى أنه نهجه “القاسي” كما يصفه، هو النهج
الصحيح في مواجهة الجريمة.
من جهة أخرى، تبين وسائل إعلام بريطانية، أن معدلات الجريمة في لندن قد زادت بشكل كبير منذ تولى صادق خان
منصبه، حيث زادت جرائم السكاكين بنسبة 52 في المائة، في حين ارتفعت عمليات السطو على المنازل بنسبة 37 في المائة
والسرقات بنسبة 59 في المائة، وكان هناك 135 جريمة قتل، بزيادة قدرها 26 في المائة منذ عام 2016 وأعلى معدل جرائم
قتل في العاصمة لأكثر من عقد من الزمان.
جعل المواصلات ميسورة التكلفة
” أعلم أن النقل، إلى جانب الإسكان، هو أحد أكبر التكاليف التي يواجهها سكان لندن”، هكذا يقول برنامج خان الانتخابي، مبيناً
أنه جعل وسائل النقل العام ميسورة التكلفة في المدينة بعد سنوات من ارتفاع الأسعار.
لكن يبدو أن المحكمة البريطانية العليا لها رأي آخر، حيث قضت بأن مخطط الصادق خان الذي تضمن إغلاق الطرق وتضييق
طرق أخرى لإنشاء ممرات دراجات جديدة في ذروة الإغلاق العام الماضي “معيب بشكل خطير وغير قانوني”.
تأمين منازل لجميع السكان
“يجب أن يكون كل سكان لندن قادرين على شراء منزل”، حيث أشاعت حملة صادق خان الانتخابية الآمال بوعود أطلقها
للناخبين ببناء أبنية سكنية للتخفيف من أزمة غلاء الإيجارات، وتوفير مساكن بأسعار معقولة للفئات محدودة الدخل.
لكن الاكتظاظ السكاني انعكس في ارتفاع الطلب على السكن، ما أدى إلى تضخم أسعار العقار بشكل ملفت، جعل من العاصمة
البريطانية أغلى مدن العالم، حيث إن متوسط سعر المنزل في العاصمة لندن يبلغ حاليا 672 ألف جنيه استرليني (828 ألف
دولار أميركي)، متجاوزاً سقف العقارات في الجارة باريس بنحو 3 أضعاف.
هل سينتخب العرب صادق خان؟
“لست مهتماً بانتخاب صادق خان أو غيره، الأمر سواء بالنسبة لي، المشكلة ليست بشخص بعينه، بل بالمناخ العام”، هكذا عبر
حسن جوهر (بريطاني من أصل عراقي)، عن عدم رغبته بانتخاب خان كعمدة لندن، وبحسب استطلاع أجرته “أرابيسك
لندن”، تبين أن الكثيرون يشاركون جوهر في رأيه.
وبحسب الاستطلاع، هناك العديد من الأسباب دفعت الجالية العربية للإحجام عن الانتخابات، أبرزها:
السلبية السياسية لدى الجاليات العربية في لندن
تشير احصائيات رسمية إلى أن الناخب العربي لا يود المشاركة بشكل إيجابي في الحياة السياسية، حيث أن العديد من العرب
الذين يحق لهم التصويت لم يتقدموا في الأساس لتسجيل أسمائهم في قوائم التصويت، ويعود ذلك إلى كون الجالية
العربية قد أتت للحياة في بريطانيا مصطحبة معها عدم الرغبة في التغيير أو ربما الإحساس بأن صوتهم لن يكون له صدى،
وبالتالي سيحد ذلك من قدرتهم الفعلية على إحداث تغيير.
لكن برغم “السلبية السياسية” التي تطغى على الجاليات العربية في بريطانيا، والتي تحد من تأثيرهم في الانتخابات العامة رغم
أنهم ثاني أكبر جالية في البلاد، إلا أن وطأة الأمر ستكون أقل فيما لو تم توجيه اهتمام أكبر من قبل الحكومة البريطانية
لمساعدة الجمعيات الأهلية التي تحث العرب على الانتخاب وممارسة حقوقهم وذلك من خلال الندوات التثقيفية والدورات
التدريبية وفرص التطوع في اللجان الانتخابية والاشراف على الانتخابات وإعلان النتائج حتى يؤمنوا بأهمية أصواتهم وبالحياة السياسية الديمقراطية.
شعور الجالية العربية بالتهميش
ضمن الاستطلاع الذي أجرته “أرابيسك لندن”، أظهر الكثيرون من العرب البريطانيين شعورهم بالتهميش من قبل الحكومة
البريطانية حيث باتوا يعتبرون بريطانيا اليوم بلدهم الأم، وكذلك من عمدة لندن سواءً صادق خان أم الذين سبقوه لا
سيما لندن التي تحتضن اليوم نحو 900 ألف عربي.
“على استحياء”، هكذا تصف سحر طراف (بريطانية من أصل لبناني) الحملات الإعلامية الموجهة للعرب، وتؤكد في حديثها لـ
“أرابيسك لندن”، أن الخطاب الإعلامي الموجه للجالية العربية من قبل سلطة لندن العليا (العمدة) عبارة عن بعض المنشورات
على الفيس بوك باللغة العربية بين الحين والآخر، وهذا ليس كافياً على الاطلاق.
من جهة أخرى، يرى عبد الله الحاج (مقيم في لندن من أصل سوري)، أن الحكومة البريطانية لم تساعد الجاليات العربية على
الاندماج، بالرغم من كونها الجالية الأكثر حاجة للاندماج بسبب الحروب الدي دفعتهم لمغادرة بلدانهم، وحاجتهم الشديدة
لبرامج إعادة تأهيل نفسي للاندماج في المجتمع البريطاني فلم نجد أي برنامج خاص من قبل عمدة لندن موجه للجالية العربية
على التحديد من حيث تعليم اللغة أو التوظيف أو التطوع أو الندوات أو حتى الاجتماع بممثلين عن الجالية العربية في لندن وسماع همومهم ومشاريعهم وتقديرهم.
لغط في التصنيف
“كل عربي هو مسلم”، هكذا تعتقد الحكومة البريطانية وعلى وجه الخصوص عمادة لندن، فشمل العمدة، صادق خان، في
خطابه الموجه لدعم “البايم” BAME، كل من العرب والمسلمين دون تخصيص، حيث يشار إلى شرائح السود والأقليات العرقية
بمصطلح “بايم” BAME في بريطانيا، اختصاراً للحروف الأولى من عبارة Black, Asian and Minority Ethnic.
وبرغم فخر العرب بكونهم جزء مهم من الجالية الإسلامية، إلا أن ذلك لا ينفي وجود لغط في التصنيف، وعدم التوجه
الصحيح لكل فئة، حيث أن للمجتمع العربي خصوصيات تختلف عن باقي مكونات الجالية الإسلامية، ولا يوجد أي فعاليات
تراعي هذه الخصوصية، حتى أن بعض الفعاليات التي يدعو لها عمدة لندن لممثلين عن الجالية الإسلامية كالإفطار الرمضاني
يراها الكثيرون من العرب المسلمين وغير المسلمين “غير كافية”، ولا تمثل الجالية العربية بشكل كافي حيث يكاد لا
يتواجد أي ممثل عن تلك الجالية في معظمها.
كذلك الحملات الإعلانية والإعلامية التي تطلقها سلطة لندن العليا، يتم فيها تجاهل الجالية العربية في لندن بشكل واضح و
لا يتم استهدافهم بشكل مباشر إلا بشكل خجول وهو ما يتناقض تماماً مع شعارات صادق خان عن التنوع والشمول التي
يتحدث عنها دائماً في المنابر الإعلامية.
مسؤولية العمدة مساعدة الجالية العربية بإبراز هويتها وخصوصيتها
يقول محمد البو حسن (بريطاني من أصل تونسي) أنه “سيقوم بالتصويت هذه المرة، لكن ليس لهذا الرجل، لأن صادق خان
يفرض رائب كبيرة وزيادة في رسوم الازدحام”.
أيضاً قالت نور ياسين (مقيمة فلسطينية في لندن): ” لن أصوت لأجله بأي حال من الأحوال! لقد مضى عام كامل تحت ذرائع
كاذبة، دوناً عن تجاهله للأقليات في لندن، لم يتوجه إلينا بأي خطاب ولا أدنى اهتمام!”.
أما مالك عماد الدين (بريطاني من أصل لبناني)، فيعتبر “أي شخص سيصوت لصادق خان، سيصوت على رسوم ازدحام
أعلى، وأسعار نقل عام أعلى، والمزيد من “أحواض النباتات” التي تغلق الطرق، ولن يجد مكان لركن سيارته”.
وبحسب الاستطلاع، يتلخص إحجام الجالية العربية عن الانتخاب لعمادة لندن بنقطتين أساسيتين: أولاً شعورهم بعدم
العدالة والمساواة مع الجاليات الأخرى ومع المواطنين بريطانيي الأصل، وشعورهم بتقصير الحكومة في التوجه إليهم بما
يتناسب مع خصوصية مجتمعهم وانتماءهم. أما سبب إحجامهم عن انتخاب صادق خان، فهو سبب
يشتركون به مع اللندنيين جميعهم، وهو تقصيره بأداء مهامه وعدم وفائه بوعوده الانتخابية وأنه لم يجعل “لندن مكاناً أكثر عدلاً” كما وعد.
مطالب الجالية من العمدة الجديد للندن
انحصرت مطالب الجالية العربية تبعاً لاستطلاع “أرابيسك لندن”، بنيل حقوقهم ومساواتهم بجميع المواطنين البريطانيين،
وتشجيعهم على الاندماج والعمل والاستثمار بجميع المجالات ما سينعكس بالتالي على إنتاجيتهم في المجتمع.
ودعا المشاركون في الاستطلاع مرشحي عمادة لندن لتقديم تطمينات مشجعة للمواطنين ولا سيما الجالية العربية، مشيرين
إلى ضرورة أن يعرف “عمدة لندن المستقبلي” همومهم ومطالبهم وذلك من خلال فهم تركيبة لندن السكانية الغنية وتنوعها، ولا
يمكن أن يتحقق ذلك إلا عبر الاستماع لجميع أطياف المجتمع، وتنسيق اجتماعات دورية مع رجال الأعمال
وممثلي الجاليات والاستفادة من آرائهم واقتراحاتهم للمضي قدماً بتحسين وتطوير المجتمع اللندني.