توسعات ULEZ الجديدة تثير انتقادات حادة ضد عمدة لندن.. والفقراء إلى المزيد من الضرائب!
تابعونا على:

مدونات

توسعات ULEZ الجديدة تثير انتقادات حادة ضد عمدة لندن.. والفقراء إلى المزيد من الضرائب!

نشر

في

905 مشاهدة

توسعات ULEZ الجديدة تثير انتقادات حادة ضد عمدة لندن.. والفقراء إلى المزيد من الضرائب!

في الثامن من شهر أبريل من عام 2019 انطلق العمل في المملكة المتحدة وتحديداً في العاصمة لندن بمقتضيات برنامج (ULEZ) Ultra Low Emission Zone و الخاص بالمناطق ومسارات العبور ذات الحد الأدنى من الانبعاثات الكربونية والتلوث، وذلك بهدف تنفيذ التعهدات البريطانية الدولية المتعلقة بخفض نسب الكربون السامة في الهواء، إلى جانب تحفيز البريطانيين على الانخراط في عمليات الإحلال والتجديد الخاصة بالمركبات والسيارات القديمة.

 

كتب: محسن حسن

 

وفي البداية كان تركيز البرنامج منصباً على وسط لندن، لكن التعديلات الجديدة منحت البرنامج توسعاً كبيراً في العديد من المناطق داخل الطرق الدائرية الشمالية والجنوبية، وذلك ابتداءً من شهر أغسطس المنقضي، وهو ما يضيف أعباء مالية كبيرة على سكان العاصمة، وفي مقدمتهم الطبقات الفقيرة ممن يمتلكون دراجات بخارية أو سيارات قديمة أو أية مركبات لا تفي باشتراطات السلامة البيئية. وفي ظل حالة التضخم غير المسبوقة في البلاد، إلى جانب حرص بلدية لندن على تطوير وزيادة عوائدها المالية، خاصة فيما يتعلق بقطاع النقل، فقد بات هذا البرنامج يواجه العديد من الانتقادات من قبل كثيرين، وعلى رأس هذه الانتقادات تخبط السياسات البلدية وعدم مراعاتها لأحوال الطبقات الدنيا في العاصمة.

ملامح ULEZ

البرنامج يفرض رسوماً قدرها 12.5 جنيهاً استرلينيا عن كل يوم تسير فيه السيارة المخالفة في مناطق خفض الانبعاثات، وفي حال تأخر صاحب السيارة في سداد هذه الرسوم أو كانت مركبته مخالفة للوائح والقوانين، فإنه يعاقب بغرامة قدرها 160 جنيهاً استرلينياً قابلة للتخفيض إلى 80 جنيها استرلينيا حال تم السداد خلال أسبوعين من توقيع الغرامة. ويقوم البرنامج بتقديم بعض الإعفاءات المشروطة من هذه الرسوم، مثل إعفاء السيارات التي تعمل بالديزل بشرط أن تكون السيارة مسجلة بعد شهر سبتمبر من عام 2015، وكذلك الحال بالنسبة لسيارات البنزين المسجلة منذ العام 2005، كما أن السيارات العاملة بالطاقة الكهربائية يتم إعفاؤها دون شرط أو قيد. ووفق البيانات الصادرة عن هيئة النقل في لندن، فإن قطاعاً عريضاً من السيارات والشاحنات يصل إلى 100 ألف سيارة وقرابة 40 ألف شاحنة، سيتأثر بفرض الإجراءات الجديدة الخاصة بالبرنامج بشكل يومي داخل العاصمة، حيث سيتم تطبيق الرسوم والغرامات للأوزان البالغة 3.5 طن، وذلك على الدراجات البخارية والشاحنات الصغيرة والسيارات والمركبات الخاصة، وبالنسبة للحافلات الصغيرة حتى 5 أطنان، في حين لا تحتاج الشاحنات أو الشاحنات الصغيرة أو المركبات الثقيلة المتخصصة (التي يزيد وزنها عن 3.5 طن) والحافلات والحافلات الصغيرة والحافلات (التي يزيد وزنها عن 5 أطنان) إلى دفع الرسوم المقررة، إلا في حال عدم استيفاء معيار منطقة الانبعاثات المنخفضة، فإنه سيتم تحصيل الرسوم. ومؤخراً، اضطرت هيئة النقل العام في لندن، إلى إرسال أكثر من مليون رسالة إلكترونية للأشخاص الذين يُتوقع سفرهم ضمن حدود التوسعة الجديدة المستهدفة بخفض الانبعاثات، بهدف إبلاغهم بالتغييرات الحادثة. مع العلم أن فاعلية تطبيق معايير ورسوم البرنامج أصبحت منذ التاسع والعشرين من أغسطس الماضي 2023، تغطي جميع أحياء لندن، وستكون قائمة على مدار 24 ساعة يومياً، وخلال أيام الأسبوع كاملة، وبالتالي خلال الشهر والعام، ولن يُستثنى من ذلك سوى اليوم الخامس والعشرين من ديسمبر، وهو يوم عيد الميلاد.

هواء العاصمة

وبتتبع البيانات المسحية الصادرة عن جرد لندن للانبعاثات الجوية 2019 (London Atmospheric Emissions Inventory)، سيتبين لنا وجود آثار سلبية قياسية لهواء لندن الرديء على صحة السكان، وأن النقل البري يتحمل النسبة الأكبر من أسباب انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين والجسيمات الضارة في عموم المناطق والبيئات داخل الحدود الكبرى للعاصمة الإنجليزية، الأمر الذي يُعرِّض فئات وشرائح مجتمعية عديدة للإصابة بأمراض مزمنة كأمراض الرئة والسرطان والربو والوفاة المبكرة لآلاف السكان سنوياً، هذا بالإضافة لإصابة العديد من كبار السن بأمراض الخرف والشيخوخة، وبخلاف وسط لندن، فإن أطراف العاصمة الخارجية تسجل النسبة الأكبر من وفيات وضحايا تلوث الهواء، نظراً لأن 10% من عموم السيارات المستخدمة في تلك الأطراف، لا تتوافق والمعايير البيئية الصحية للانبعاثات. ووفق دراسة صادرة عام 2015 عن جامعة (King’s College London) البحثية، بلغت الحصيلة الإجمالية لحالات الوفاة المبكرة سنوياً في المملكة المتحدة 40 ألف حالة، كان من بينها 9400 حالة من سكان لندن وضواحيها، وهو ما شكل خسارة اقتصادية داخل العاصمة تراوحت بين 3.7 مليار دولار و 4.8 مليار دولار، بحسب تقديرات الكلية الملكية للأطباء عام 2016. وهذه الحصيلة من الوفيات المبكرة، كان نصيب الجسيمات الضارة منها 3500 حالة، بينما استحوذ ثاني أكسيد النيتروجين على 5900 حالة. ورغم أن مسؤولي البلديات وعمداءها المتعاقبين في لندن، قد قطعوا شوطاً كبيراً حتى الآن في تحسين جودة الهواء ومكافحة التلوث، منذ أسوأ ضباب دخاني ضرب العاصمة عام 1952، إلا أن الهواء الرديء لا يزال يمثل تحدياً كبيراً على المستويين الصحي والاقتصادي في العاصمة، وهو ما يدفع بلدية لندن بزعامة (صادق خان) إلى اتخاذ إجراءات صارمة في تطبيق معايير برنامج (ULEZ).

بين الفقر والتلوث

وعلى الرغم من وجاهة المنطق الدافع إلى توسيع نطاق البرنامج المذكور، بفعل المخاطر الصحية الجمة والمحيطة بسكان العاصمة ليل نهار، حيث يؤكد عمدة لندن، أن خطة التوسع الجديدة ستساهم في تقليل انبعاثات أكسيد النيتروجين بنسبة 10%، إلى جانب الإسهام في تقليل آخر للجسيمات الضارة بنسبة تفوق 15%، مع تراجع متزامن و متصاعد لحالات الإصابة بالربو والملوثات تقدر بـــــــــ 300 ألف حالة حتى عام 2050، إضافة إلى تقليص حالات الوفاة السنوية والتي تبلغ حالياً 4000 آلاف حالة داخل العاصمة، مقابل 36 ألف حالة في جميع أنحاء المملكة المتحدة، نقول، إنه على الرغم من ذلك، فإن التطبيق الجديد لتوسعة نطاق عمل البرنامج في كافة المناطق، يبدو في صورة الجباية المقنعة التي تزداد عبرها موارد بلدية لندن المالية، مقابل تجريد جيوب الطبقات الفقيرة من أموال، هُم في أمس الحاجة إليها لمواجهة أعباء الحالة الاقتصادية المتردية في الوقت الحالي.كما أن هذه التوسعة لن تجعل الأمر قاصراً على تجريد الفقراء من بعض أموالهم الضرورية فقط، وإنما من سياراتهم القديمة أيضاً؛ حيث يضع البرنامج بإجراءاته الحالية، جميع سكان العاصمة لندن، أمام خيارات مُرَّة تتأرجح بين دفع الرسوم اليومية الباهظة (12.5 جنيها استرلينيا)، أو الامتناع عن القيادة وتعطيل المصالح، أو تخريد السيارات القديمة واستبدالها في ظل دخول منخفضة ومشقة اقتصادية لا تسمح بذلك. وما يزيد الأمور صعوبة على الطبقات الفقيرة، هو براعة عمدة لندن (صادق خان) في الترويج الدعائي لمنطقه وأسبابه في التطبيق الصارم والشامل لمقتضيات منطقة خفض الانبعاث، ودون دراسة متأنية لتبعات هذا المنطق وكذلك لحقيقة النتائج المتوقعة من توسيع النطاق الجغرافي للمنطقة المشار إليها.. كيف ذلك؟

شكوك وانتقادات

الانتقادات الموجهة لآليات التطبيق الجديدة في عموم لندن، تشير إلى أن النتائج التي يتوقعها (خان) من وراء البرنامج بشأن تحسين جودة الهواء وفق الإحصائيات المعلنة في بياناته الصحفية، ليست حتمية، كما أنها محفوفة بالكثير من الشكوك بشأن إمكانية تحقيقها، وذلك في ظل تحسينات طفيفة و متواضعة في جودة الهواء منذ أن تم إطلاق (ULEZ) في لندن الداخلية خلال العام الماضي. ومن جهة أخرى، تشير الانتقادات ذاتها، إلى أن قيام عمدة لندن باستغلال أول حالة وفاة حادثة بالربو في المملكة المتحدة عام 2013 بسبب تلوث الهواء، والتي كانت بطلتها (إيلَّا ديبرا) ذات التسع سنوات، من أجل جلب المزيد من المؤيدين لسياساته البيئية الهادفة في حقيقتها لزيادة العوائد والرسوم البلدية ورفع معدلات الإيرادات الخاصة بالنقل في العاصمة، هو أمر يدعو للحيرة والتساؤل، خاصة وأن نتائج هذا الاستغلال تأتي على حساب الطبقات الفقيرة ممن لا يملكون القدرة على تحمل المزيد من الأعباء المالية في أنحاء لندن، كما أن هدف إقرار(قانون إيلَّا) المتعلق بتلك الحالة، والرامي إلى إلزام دوانينج ستريت بتحقيق(الهواء النقي) باعتباره حقاً من حقوق الإنسان في بريطانيا، من الصعب الوصول إليه خلال خمس سنوات فقط، وهي المدة المنصوص عليها في المشروع المزمع اقتراحه لذلك القانون. وعلى صعيد مقارب، شملت الانتقادات الموجهة لعمدة لندن، سجالات أخرى حول جدوى التعديلات الأخيرة، بل جدوى البرنامج من الأساس، ليس على سبيل الاعتراض على تجويد هواء لندن، وإنما على سبيل النظر إلى ما عليه الحال من وجود آليات تلقائية تؤدي بالفعل إلى تقليص الانبعاثات الصادرة عن مفردات وعناصر النقل البري؛ فعلى سبيل المثال يتم في بريطانيا سنوياً تجميد ما لا يقل عن مليونى سيارة من إجمالي عدد السيارات القديمة ذات محركات الاحتراق الداخلي، والتي يزيد عددها حالياً على 40 مليون سيارة، وبالتالي تتراجع نسبة هذه النوعية الملوثة من السيارات مقابل ازدياد السيارات الكهربائية والهجينة، ومن ثم فسكان لندن ليسوا في حاجة ماسة لتوسعات (ULEZ).

دلالات رقمية

وبالنظر إلى طبيعة الشكوك المحيطة بتعديلات منطقة خفض الانبعاثات داخل العاصمة البريطانية لندن، مع استحضار ما يترتب عليها من أعباء على الطبقات الدنيا، مقابل إنعاش إيرادات هيئة النقل، يتبين لنا استناد مجموع الانتقادات السابقة المشار إليها، إلى بعض المؤشرات والإحصاءات ذات الدلالة القوية في دعم تلك الشكوك؛ من ذلك مثلاً الخلل المالي الواضح في هيئة النقل الجوي بفعل الانخفاض الهائل في أعداد الركاب على خلفية تداعيات جائحة كوفيد19؛ حيث باتت الإيرادات لا تفي بمتطلبات التشغيل؛ ففي موسم 2019/2020، كان دخل الهيئة قرابة 6 مليارات دولار، انخفضت في الموسم التالي 2020/2021 إلى حوالي 2.5 مليار دولار، لتستقر مؤخرا عند حدود 4.3 مليار دولار، في حين تجاوزت النفقات 7.5 بلايين دولار خلال تلك الفترة، الأمر الذي أجبر الهيئة على طلب منحة سنوية من الحكومة المركزية، كان من بين شروطها إلزام الهيئة بالبحث عن مصادر جديدة للإيرادات. ومن ناحية ثانية، فإن برنامج(ULEZ) في بداياته الأولى جاء بالأساس ــــ بحسب تأكيدات المنتقدين له ــــ لعلاج ضعف إيرادات مخطط رسوم الازدحام القديم، والذي لم يستطع تحقيق سوى 77 مليون دولار في عامه الأخير 2018/2019، بينما استطاع (أوليز) في العام الأول من موسم 2019/2020 تحقيق إيرادات زادت على 225 مليون دولار، وهو ما حفز المسؤولين في لندن على توسيع نطاق البرنامج ليشمل الأطراف الخارجية بهدف جلب المزيد من الإيرادات. وهذه المؤشرات جميعها، تكرس شعوراً بالامتعاض لدى أطياف عديدة داخل عموم المناطق في العاصمة، حيث يرى كثيرون أن المسألة ليست حماية أنفاس اللندنيين من التلوث، بقدر ما هي رغبة حكومية في إنعاش الخزائن وحصد الأموال.

مراجعة وتقييم

وفي الختام، لابد من التأكيد على أن عمادة لندن تمتلك خططاً فاعلة لدعم الفئات الفقيرة وكافة الشرائح ذات الإعاقة، عبر بعض المنح التي تساعدهم في تعديل سياراتهم وحافلاتهم الصغيرة، وذلك من خلال خطة تمويل يزيد قوامها المالي على 100 مليون دولار، بالإضافة لبعض المميزات الأخرى كمجانية السفر بالحافلات مدة تصل إلى عامين، ولكن تظل هذه الخطط والمميزات ذات درجات مرتفعة من التعقيد والصعوبة، بشكل قد يترتب عليه حرمان الطبقات الفقيرة من التمتع بمقتضياتها ومميزاتها، كما أنه في ظل حالة الترقب المشوبة بالحذر تجاه مشكلات قطاع النقل في العاصمة، فإنه من المتوقع أن يُحجم الكثير من السكان عن التجاوب مع متطلبات التحديث المنشودة للسيارات القديمة، خاصة مع وجود قناعات راسخة لديهم، بأنهم سيخضعون مستقبلاً للمزيد من الضرائب والرسوم والغرامات حتى في حال قيامهم بالتحديث ومواكبة سياراتهم لمعايير (ULEZ)، ولذلك يتوجب على عمادة لندن التفكير مجدداً في صياغة منضبطة وحكيمة لهذا البرنامج، وإجراء مراجعة تزيل كافة الشكوك والمشكلات الدائرة حوله، كما أن عليها إدراك بعض المخاطر والأضرار التي يمكن أن تأتي بنتائج عكسية تصيب حركة النقل وبنيته التحتية من جهة، وتثير المزيد من المشكلات الاقتصادية والمعيشية من جهة أخرى، وهو ما قد يكون له نتائج سياسية وانتخابية أيضاً خلال المرحلة القادمة. على أن من أسوأ ما يمكن أن يصيب الطبقات الفقيرة في لندن على المدى القريب، هو الجمع بين سوء التخطيط الحكومي في فرض الرسوم والضرائب من جهة، وسوء خدمات النقل والطرق من جهة ثانية.

إترك تعليقك

إترك تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

X