السعودية
عميدة المسرح السعودي ملحة عبدالله لأرابيسك لندن: ولي العهد هو صانع الرؤية ومبدعها.. وكل الخيارات مفتوحة لنرى تحت كل حجر مسرحاً
نشر
منذ 9 أشهرفي
1٬096 مشاهدة
By
Baidaتمثل الدكتورة ملحة عبدالله كناقدة وباحثة مسرحية، عنواناً سعودياً زاخراً بالعطاء والإنجاز، ومثالاً حاضراً للمرأة السعودية الرائدة في مجالها، المتمكنة من تخصصها؛ فقد استطاعت هذه السيدة التي انطلقت مسيرتها من المدرسة الأولى للبنات بمنطقة ولادتها في بلاد رفيدة (الواديين) بلاد قحطان، القريبة من مدينة (أبها)، والتابعة لمحافظة (أحد رفيدة) جنوبي المملكة العربية السعودية، أن تتخصص في دراسة المسرح كأول سيدة سعودية تستهدف هذا المجال، وذلك بعد أن استقرت في القاهرة، وحصلت فيها على شهادة الثانوية العامة من مدرسة السنية، ثم التحقت بأكاديمية الفنون المصرية وحصلت على درجة البكالوريوس في تخصص النقد والدراما.
ثم حصلت على درجتي الماجستير والدكتوراة في التخصص ذاته من جامعة بيركلي الأمريكية، لتنطلق مسيرتها في العطاء والريادة المسرحية، ولتكون أولى النساء العربيات الحاصلات على الدكتوراة الفخرية في دراسة المسرح من منظمة الأمم المتحدة بعد إنجاز نظريتها في مسرح (البعد الخامس) لتتوالى إنجازاتها على مستوى التأليف والكتابة المسرحية؛ ففي جعبتها أكثر من خمسين نصاً مسرحياً، حاز معظمهم شرف العرض المسرحي الحي على خشبة المسرح، ومن بين هذه النصوص (المسخ، أم الفأس، المتاهة، الليبرو، العازفة، سر الطلسم، حانة الربيع، مواطن رغم أنفه).
هذا بالإضافة إلى أكثر من عشرين مؤلفاً نقدياً، منها (أثر البداوة على المسرح) 1994 و(أثر الهوية الإسلامية على المسرح) 1998، و(المملكة العربية السعودية عادات وتقاليد) 1999، و(الجزيرة العربية الهوية المكان الإنسان) 2018، ومؤلفات أخرى عديدة استحقت معها لقب(عميدة المسرح السعودي).
وهذا العطاء المتميز، أهلها للحصول على جوائز عديدة؛ ففي سنة 1994 حصلت على جائزة التأليف المسرحي من مهرجان أبها الثقافي عن نص مسرحية (أم الفأس)، وفي عام 2001، حصلت على جائزة أبها الثقافية غي الرواية والمسرح عن أعمالها مجملة، وفي عام 2007، نالت جائزة فرقة الجيل الواعي الكويتية للنص المسرحي، وخلال سنة 2012 حققت مسرحيتها (العازفة) المركز الأول في المسابقة الدولية لليونسكو للمونودراما (النسخة العربية).
وفاز نصها المسرحي (المتاهة) بجائزة مهرجان الشمال السعودي للفكاهة، وفي سنة 2016 تم تكريمها من مهرجان الدمام المسرحي في دورته الحادية عشرة لتأثيرها الإيجابي على المسرح السعودي، وكانت هي المرأة السعودية الوحيدة تقريباً التي يكرمها الأزهر الشريف في مصر لمؤلفاتها الوازنة، كما منحتها الأمم المتحدة الدكتوراة الفخرية لخدمتها قضايا السلام العالمي ومكافحة الإرهاب.
ومؤخراً، اختارها البيت الثقافي العراقي، كأبرز شخصية ثقافية في المملكة العربية السعودية خلال 2021 ضمن فعاليات (عرب لاب 2021)، وخلال 2023 أصدر لها نادي الطائف الأدبي والثقافي خمسة مجلدات، تحتوي جميع نصوصها الستين المسرحية، لأهميتها في تطوير المسرح السعودي، وهي حالياً، مكلفة من قبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، كعضوة في مجلس إدارة هيئة المسرح والفنون الأدائية، وكإحدى المساهمات الأساسيات في تجهيز وإعداد مهرجان الرياض للمسرح.
اقرأ أيضاً: رومي القحطاني: أول سعودية تشارك في ملكة جمال الكون
حوار الدكتورة ملحة عبدالله مع “أرابيسك لندن”
حول مستقبل المسرح السعودي، خصت الدكتورة ملحة عبدالله (مجلة أرابيسك لندن) بهذا الحوار.
حاورها: محسن حسن
-
بداية دكتورة ملحة عبدالله، بأي منظار تقيِّمين الانفتاح الثقافي والفني المنطلق حالياً على المستوى السعودي تجاه العالم أجمع؟
نحن كنا على انتظار طوال ثلاثين عاماً، ونعلم أنه سيأتي يوما وتنفتح فيه نوافذ النور والوعي، ولذلك كان كل المهتمين بالثقافة والوعي والتقدم على قدم وساق في الحصول على المعارف ومنابع النور الثقافية في صراع مع أمواج عاتية من استنكار – البعض وليس كدولة – لمفهوم الثقافة نفسها، وكنا نعاني من التهميش والتصدع والاقصاء، لكنها من بعض الفئات، حتى جاءت رؤية سيدي ولي والعهد ورئيس مجلس الوزراء محمد بن سلمان حفظة الله تحت ظل خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ورؤية 2030 بما تحمله على كل الصعد، من نور ساطع أبهر العيون المحلية والعربية والعالمية أيضا، ولذلك فأنا لا أسميها انفتاحاً بقدر ما نطلق عليها نوافذ النور والوعي والتمكين والتقدير لكل ذو هبة من الله بالإبداع والدهشة أيضا.
ولذلك حينما أطلقت الرؤية كان الكل جاهزا واعيا مثقفا دارسا متمكنا من أدواته، وهنا حدثت الدهشة على كل الصعد.
-
كان تأثرك كبيراً في مناسبة افتتاح المسرح الوطني السعودي.. صفي لنا هذه اللحظات؟
نعم، كانت فرحتي الكبرى حين تم افتتاح المسرح الوطني السعودي عام 2019 وكانت نقطة تحول في المسرح السعودي بزيه الحديث، ولا سيما أن كانت المرأة تحتل جزءًا منه، حينها انهارت دموعي أمام العرض، وكتبت الصحافة حينها “إن دموع ملحة عبد الله لا تزال في ردهات المسرح”.
فالمملكة العربية السعودية وأهلها بما لهم ولها من تاريخ حضاري وثقافي يستحقون ذلك في ظل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله بما يوليه وولي عهده لهذا البلد الغالي من تقدم وازهار.
إن كل ما هو مبهر ومدهش كان جاهزا تحت غلالة نور أزيحت بهذه الرؤية المجيدة، فالرؤية لم تكن محلية أو حتى عربية، وإنما كانت على المستوى العالمي بأكمله.
وأنت تسأل واحدة من المهمومين بالثقافة والوعي ولذا فانا أجيبك بشكل عام لأن هذه السطور لا تحتمل التفاصيل.
-
برأيك، ما الذي شكله تأسيس (هيئة المسرح والفنون الأدائية) سنة 2020 بالنسبة للأكاديميين المسرحيين وفناني المسرح السعوديين على السواء؟
لم يكن تشكيل (هيئة المسرح والفنون الأدائية) بمعزل عن تشكيل إحدى عشر هيئة تتناسج جميعها في بوتقة واحدة مع تلك الهيئة، فالمسرح والفنون الأدائية هو نسيج من كل هذه الهيئات كلها، فهي جميعها بتكوينها ومجالس إداراتها تتولى مسؤولية القطاع الثقافي السعودي بمختلف تخصصاته واتجاهاته، وتعني كل هيئة من الهيئات الإحدى عشرة بتطوير قطاع ثقافي محدد أو أكثر، وتتمتع بالشخصية الاعتبارية العامة والاستقلال المالي والإداري وترتبط تنظيميا بوزارة الثقافة، هذا أولا.
وثانيا أن كل هذا يعني المسرحيين والأكاديميين وجل الفنانين والقائمين على الحركة الفنية المسرحية والأدائية، هو لوطنهم وهو الأهم، فلا توجد ذاتية أو شوفينية، فالكل ذائب متفاعل لمصلحة هذه النهضة وهذه الرؤية، والجميع يعمل مثل خلية النحل، حتى من لم يجد له دوراً بارزاً كان له الدور الاستثنائي خلف الستار، وذلك لأننا نريد هذه النهضة وهذه الملحمة الثقافية والفنية العربية والعالمية والمحلية بدون أي شك.
اقرأ أيضاً: مهرجان البحر الأحمر السينمائي 2024: احتفالية الأفلام والإبداع في قلب جدة
-
البعض يشتكي من حاجة الفن المسرحي في المملكة لتحديث الإنشاءات و البنية التحتية في الكثير من المدن والمناطق.. كيف ترين هذه الشكوى؟
إذا كان هناك مشتكون فهذا يعني أنهم على غير دراية بما يحدث في المطبخ الثقافي داخل وزارة الثقافة، وأنا كوني عضو مجلس إدارة هيئة المسرح والفنون الأدائية أقول إنه لا يمكنك تخيل ما يتم من العمل الدؤوب والاستراتيجيات على مدار ثلاث سنوات في انشاء البنية التحتية للمسرح والفنون الأدائية، من إنشاء المسارح (دور العرض) والأكاديميات، وإرسال البعثات للخارج للدراسة.
فالعمل لم يكن على مستوى البنية التحتية في المنشآت فحسب، وإنما يشمل تطوير وإعداد القادة والدارسين والفنانين المؤهلين وغير المؤهلين لخوض هذا المضمار الواسع الذي ينافح من أجل مستوى فني وإبداعي عالمي، وهذه رؤية سمو ولي العهد حفظه الله، فالموهبة والشغف هما أساس الاهتمام بالنهوض بهذا المشروع الكبير.
ولكن هؤلاء المشتكين الشغوفين بالسرح مع تقديري لهم، مستعجلون، والمسألة ليست بسهلة أن تخرج التجربة للنور بهذه السرعة، لكنها خرجت متجلية في مهرجان الرياض للمسرح الذي أبهر كل المهتمين والمتسائلين محليا وعربيا وعالميا أيضا!.
-
إسناد الإدارة المسرحية لشركات خاصة ربما تكون مملوكة لشخصيات غير متخصصة في المسرح هل ترينه إجراءً مقبولاً من وزارة الثقافة السعودية خلال المرحلة الراهنة؟
الإدارة المسرحية لم تكن ولن تكون لشركات خاصة، وإنما الهيئة تدعم القطاع الخاص تحت إشراف الهيئة وإدارتها ودعمها؛ لأن الاتجاه للقطاع الخاص أمر هام للشراكة معه، وبمعايير الهيئة والوزارة فهي المرجع الرئيس لهذه الشركات، طبعاً بما يتلاءم مع العادات والتقاليد والأعراف والثقافة السعودية وهويتها، والهيئة لا تجيز أو تدعم أي عمل غير مطابق للفنون المسرحية وبمعاييرها وجودتها كفنون مسرحية متخصصة.
-
ما تقييمك الخاص لقرار إلغاء الرقابة المسبقة على النصوص المسرحية من قبل ولي العهد السعودي؟ وماذا تقترحين كمتخصصة في المسرح السعودي لتمكين العمل المسرحي ورواده في المملكة مستقبلاً؟
كل ما يراه سمو ولي العهد هو أمر مهم بكل تأكيد؛ فهو صانع الرؤية ومبدعها.
كما أن الإبداع في ظل التكبيل يفقد محتواه، والمبدع لا يعمل تحت مراقبة تجعله يُفصِّل على مقاسات! فهو انطلاق في الفضاءات الرحبة مع مراعات التقاليد والأعراف وهويتنا التي نحملها، وهذا مراعى بطبيعة الحال.
أما بخصوص تمكين العمل المسرحي فكل الاتجاهات مفتوحة وعلى الكل أن (يرمي بياضه) -كما يقول المثل المصري- أما اقتراحاتنا فيؤخذ بها، وكلها نناقشها في مجلس الإدارة بشكل جدي ولا نترك صغيرة أو كبيرة في هذا الصدد.
-
إلى أي حد أنت راضية كعميدة للمسرح السعودي عن الدورة الأولى لمهرجان الرياض للمسرح؟ وما تحفظاتك إن كانت لك تحفظات؟
ليس لدي أية تحفظات؛ فنحن من أجاز هذا المهرجان كمجلس إدارة منذ منتصف العام المنصرم، وكنا نشتغل عليه بكل قوة وإخلاص ومتابعة وهِمَّة، وقد ظهر بهذا الشكل الراقي الملفت للأنظار للمشيدين به سواء على مستوى المحتوى أو على مستوى التنظيم الرائع- بقيادة صاحب السمو معالي الوزير والرئيس التنفيذي الأستاذ (سلطان البازعي) وكل منسوبي الهيئة، وبرعاية سيدي (محمد بن سلمان) حفظه الله، و الذي كان يتابع كل شيء عن كثب.
وقد كنت أعمل في هذا المهرجان كعضوة في لجنة الفرز والمشاهدة على مدار خمسة أشهر متصلة على مستوى مدن المملكة، لكي يظهر المهرجان بهذا المستوى اللافت للأنظار بفضل الله سبحانه وتعالى.
اقرأ أيضاً: انتعاش السينما السعودية بصورة غير مسبوقة وتحقيقها إيرادات هائلة
-
هل تأثرت الأنشطة المسرحية المستقلة للفرق التابعة لجمعية الثقافة والفنون بعض الشيء حالياً بغلبة الهيمنة الإدارية لوزارة الثقافة على الفعاليات المسرحية؟
لا تهيمن الهيئة على الأنشطة بالشكل الذي تراه، وإنما هي كهيئة تدير وتدعم وتشجع وتراجع وتختار. المسالة ليست (الحبل على الغارب) وإنما الكل ينتظم داخل إطار المؤسسة للحفاظ على جودة الأعمال، والهيئة تدعم كل عمل جيد يتقدم لها. وأريد أن أوضح هنا بأن الوزارة أنشأت جمعيات مهنية لكل هيئة، ولكل هيئة مجلس إدارة ولها منسوبوها، تحت لواء الوزارة. فقد اعتمد معالي الوزير سمو الأمير (بدر بن عبد الله بن فرحان) حفظه الله في مارس ٢٠٢١ استراتيجية وزارة الثقافة للقطاع غير الربحي.
حيث تم إطلاق عدد من الجمعيات غير الربحية في السعودية كلها، تستهدف هذه الاستراتيجية بناء منظومة متنوعة من المنظمات غير الربحية في مختلف القطاعات، و تنتشر في جميع المناطق وتشمل تكوين ستة عشر جمعية مهنية في ثلاثة عشر قطاعا ثقافيا.
فكيف يُقال إن الهيئة مهيمنة؟! هي على العكس من ذلك، تسعى إلى لم كل الشمل المسرحي والفني، وإتاحة كل الفرص في نفس الوقت للأعمال المتميزة.
-
وماذا عن الجمعيات المستحدثة الخاصة بالمسرح والفنون الأدائية ضمن هذه الاستراتيجيات؟
بالنسبة للمسرح والفنون الأدائية فقد أُطلقت أول جمعية في الرابع والعشرين من اكتوبر 2021، و التي تشكل مجلس إدارتها برئاسة الفنان (ناصر القصبي)، وبعضوية كل من الدكتور (سامي الجمعان) والدكتور (راشد الشمراني)، والأستاذ (خالد الباز)، والفنان (ياسر مدخلي)، والفنان (فهد الحوشاني)، والأستاذة و الفنانة (رؤي الصحاف)، والمهندس (ياسر بكر) والفنان (سامي الزهراني)، والأستاذة (فاطمة البنوي)، والأستاذة (سميرة الخميس).
وهذه الجمعية تخدم الممارسين والمحترفين في مجالات المسرح المختلفة، إلى جانب الفنون الأدائية بمختلف تخصصاتها وتصنيفاتها مثل الفنون الشعبية والسيرك والكوميديا الارتجالية والرقص.
-
ماذا تجدين في كثرة عدد الفرق المسرحية السعودية والتي قاربت مائة فرقة؟ وهل الكثرة إيجابية أم سلبية هنا؟
مئة فرقة مسرحية عدد قليل، نحن نأمل أن يكون في كل ناحية وتحت كل حجر مسرحا.
الكل لابد أن ينطلق وأن يلعب مسرحا، فالمسرح هو النافذة على الوجدان، وهو العاكس للثقافة والمشكل للوعي العام، ومرآة لتاريخ كل شعب، والهواة عندي أهم من المحترفين، لأن كل لاعب مسرح هو هاوي والهواية تولد الشغف والشغف هو صانع الابداع.
اقرأ أيضاً: جهود السعودية في دعم صناعة الأفلام تتألق في مهرجان برلين السينمائي
-
برأيك هل بلغت التجربة المسرحية الخليجية مرحلة النضج المسرحي والفني؟ وما الذي ينقصها بعد؟
المسرح لا سقف له ولا ينضح حتى يولد من جديد، فالطمع في الإبداع لا حدود له، وإذا قال الفنان إنني وصلت قمة العطاء الفني كانت هذه نهايته، والمسرح يلد كل حين مدارس جديدة ورؤى جديدة ولكل مدرسة حضورها الجماهيري فما يروق لك قد لا يروق لآخر، وليس من المتصور مثلاً، أن تجد (سيمون فولر) وهو عضو مجلس إدارة معنا وفنان إنجليزي ومنتج كبير، يشتكي من المسرح في بريطانيا ومن الفرص المتاحة ومن الممارسة المطلوبة.
فالمسرح مارد هائل يصعب امتلاك صهوته، وإنما الذائقة تحكم في بعض الأحوال وتختلف من شخص إلى آخر.
-
في الختام، أي نوع من الفنون المسرحية تجدينه الأقرب لمواكبة الطموح المسرحي للمملكة العربية السعودية حالاً ومستقبلاً؟
المسرح في المملكة العربية السعودية هو الآن فيما أسميه مرحلة (المسرح الحديث) وهو يمارس كل الاتجاهات والمدارس المسرحية، ولكل عمل جمهوره، ولكننا نجد أن المسرح الكوميدي يجذب الناس أكثر، وهذا لا يلغي المسرح التراجيدي إن أجيدت حياكته.