السعودية تستعد لإطلاق رؤية 2040 و هدفها الذهبي مواصلة الزخم
تابعونا على:

السعودية

السعودية تستعد لإطلاق رؤية 2040 و هدفها الذهبي مواصلة الزخم

نشر

في

600 مشاهدة

السعودية تستعد لإطلاق رؤية 2040 و هدفها الذهبي مواصلة الزخم

بعد مرور أكثر من سبع سنوات على إطلاق المملكة العربية السعودية سنة  2016 رؤيتها الاستراتيجية للعام 2030، تستعد القيادة السعودية بإشراف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز و مباشرة ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، لإطلاق رؤية واستراتيجية 2040 الجديدة، والتي تستهدف استكمال خطط الإصلاح الشامل، وتحديد المسار المنوط به مواصلة تحقيق الإنجازات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية، بما يضع البلاد في مكانتها اللائقة بين دول العالم على كل الأصعدة والمستويات.

ويأتي هذا الاستعداد السعودي لإطلاق الرؤية الجديدة، في إطار الحرص على التبكير بتقييم مسيرة الإصلاح الشامل والإنجازات التي حققتها ـــ ولا تزال تحققها ــــ الرؤية الحالية 2030، ومن ثم، الإشعار بوجوب الاهتمام بإتمام هذا التقييم من قبل كافة القطاعات الوطنية العاملة؛ الكلية والجزئية، للوقوف على ما يجب اتخاذه من قرارات بشأن وضع الفترات الختامية و الإجراءات الإنهائية لتقفيل بعض المشروعات أو الإسراع في إتمام بعضها الآخر، وهكذا حتى يتم حوكمة المحتوي الإصلاحي للرؤية الحالية بما يضمن تكثيف الجهود وتقديم أكبر قدر من العمل والإنتاج خلال السنوات القادمة من عمرها.

وتتجه النية إلى أن يكون إطلاق الرؤية والاستراتيجية الجديدة للسنة 2040، خلال ثلاث أو أربع سنوات من الآن، وغالباً ما سيتم ذلك في بواكير العام 2027، وفق ما صرح به ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في أكثر من مناسبة. ولكن إلى أي حد ستتوجه أهداف الرؤية الجديدة؟ وما ملامحها المستقبلية في ظل المنجزات الراهنة؟ و ما التطلعات الإصلاحية الأبرز للقيادة السعودية وفق هذه الرؤية؟ 

كتب: محسن حسن

بنية متينة 

من خلال المنجزات الراهنة لرؤية 2030 السارية، نستطيع التأكيد على أن المرحلة الثانية من هذه الرؤية، والتي ستمتد لقرابة سبع سنوات  قادمة، ستستمر خلالها المملكة في تمتين بنيتها التحتية والمحافظة على زخم الإنتاج والإنجاز لخططها ومشاريعها وتوسعاتها الكمية والكيفية والنوعية، كخطوة ضرورية لاستمرار التأسيس المتأني لتلك البنية بهدف تسهيل الصعاب وتعبيد المسارات والطرق أمام عملية الإصلاح الاقتصادي الشامل، جنباً إلى جنب، مع استحضار إلهامات وتوجهات الرؤية الجديدة للعام 2040؛ فبحسب التصريحات الرسمية المتداولة إعلامياً لولي العهد السعودي الأمير (محمد بن سلمان)، ستحرص المملكة خلال النصف الأول من العام الحالي 2024، على الانتهاء من إتمام المشاريع المعلقة، ومن ثم الانخراط في التجهيز للاستراتيجية القادمة. 

 

وبالطبع، لا يُفهم من هذه التصريحات أن المملكة ستتغاضى عن أية أهداف متضمنة في رؤيتها للسنة 2030، فبالإضافة إلى سلسلة مشاريع البنية التحتية التي تم إنجازها مثل مشروع البحر الأحمر، ومدينة نيوم التقنية التي تبلغ قيمتها 500 مليار دولار، ومشروعى جدة وروشن للإسكان المركزي إلى جانب سلسلة المناطق الاقتصادية التي وصلت إلى خمس مناطق حتى الآن، والمشاريع الترفيهية والسياحية مثل منتجعات أمالا AMAALA، ومدينتي القدية وSEVEN الترفيهيتين.. بالإضافة إلى هذه المشاريع وغيرها مما تم إنجازه، ستواصل المملكة إكمال بنيتها التحتية على أكمل وجه، خاصة مع ما خصصته رؤية 2030 من ميزانية مشروعاتية ضخمة تتجاوز قيمتها 1.20 تريليون دولار.

وكان المركز الوطني السعودي للخصخصة، قد وقع بالفعل خلال أبريل من العام المنصرم 2023، اتفاقيات شراكة استثمارية مع حزب الشعب الباكستاني بقيمة 50 مليار دولار، يتم بموجبها تنفيذ قرابة الـــ 200 من المشروعات التي تغطي أكثر من 16 قطاعاً، وهذه المشاريع تتضمن إنشاء مطارات و طرق سريعة ومحطات مياه.

 

تعزيز التنوع 

وبالتزامن مع استكمال مشاريع البنية التحتية وفق ما تمت الإشارة إليه، يُتوقع أن تستمر أيضاً جهود المملكة في تعزيز التنوع الاقتصادي، وهي القضية التي ستظل تشغل حيزاً  كبيراً من اهتمام القيادة السعودية الرشيدة، سواء خلال المرحلة الختامية لاستراتيجية 2030، أو خلال مراحل التجهيز والإطلاق والتنفيذ الخاصة بالرؤية والاستراتيجية الجديدة للسنة 2040، خاصة وأن محور التنويع الاقتصادي بالمملكة، لا يزال يحتاج إلى المزيد من الجهود والإنجازات، فمنذ إطلاق رؤية 2030 قبل أكثر من سبع سنوات وحتى الآن، كان إسهام القطاع غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي متأرجحاً، حيث صعدت النسبة من 43.3% عام 2016، إلى 46% تقريباً في الوقت الحاضر، وبالتالي، ستحمل رؤية 2040 القادمة، آليات أكثر تطويراً وتحديثاً فيما يخص مستقبل التنويع الاقتصادي. 

 

وهذه الآليات، ستكون مدفوعة برغبة القيادة السعودية الملحة في الوصول بالاقتصاد السعودي إلى المرتبة السابعة ضمن أكبر الاقتصادات العالمية، إلى جانب كونه الاقتصاد الأكبر في المنطقة العربية حالياً، وهو ما سيتطلب بكل تأكيد، أن تتضمن رؤية 2040، حيثيات ومنطلقات جديدة في الربط الاستثماري والشراكة الإنتاجية والتمويل بين القطاعين العام والخاص، وعلى وجه الخصوص، في المجالات والقطاعات المؤثرة في تعزيز الموارد غير النفطية، كصناعات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والخدمات السياحية واللوجيستية و الرعاية الصحية. 

 

وبحسب البيانات الصادرة عن صندوق الاستثمارات العامة السعودي، ستولي المملكة اهتماماً بالغاً بالأنشطة التعدينية خلال المرحلة المقبلة كآلية من آليات التنوع الاقتصادي، وسيكون المستهدف هو التوسع في استكشاف الذهب والليثيوم والزنك وباقي المعادن الحيوية، بما في ذلك المعادن غير المتوفرة في المملكة، خاصة مع وجود توقعات راجحة بارتفاع الطلب العالمي على المعادن ستة أضعاف بحلول 2040، الأمر الذي تستعد معه شركة (معادن) المملوكة للصندوق، لإطلاق أكبر برنامج استكشاف عالمي للمعادن، ومن ثم،  زيادة الثروات المعدنية للمملكة من 1.3 تريليون دولار حالياً، إلى أكثر من  1.5 تريليون دولار مستقبلاً. 

اقرأ أيضاً: السعودية تطرق أبواب التنوع الاقتصادي بإصلاحات طموحة تكسر الجمود وتترجم الأهداف الرامية إلى الخروج من الريعية النفطية

النهج والقرار 

وبوضع الاحتمالات المتوقع تضمينها في رؤية المملكة الجديدة للعام 2040، موضع النظر والتأمل، فإنه لا يمكن استبعاد أي من ملامح النهج أو ملامح القرار التي تم ويتم تطبيقها في الرؤية الحالية 2030؛ بمعنى أن النهج والقرار، السعوديين، سيستمران في مواصلة الزخم بنفس الآليات الدافعة إلى النجاح والإنجاز؛ فمن حيث النهج، ستنطلق استراتيجية الإصلاح القادمة على هدى من الشمولية في التحديث والتطوير، ودون إغفال أي قطاع مهما كان حجمه ودوره.

ومن حيث القرار، فلن تلتفت رؤى الإصلاح السعودية إلى أية انتقادات من هنا أو من هناك، شرقية أو غربية، تتعلق بسيادة القرار أو توجهاته أو آلياته، طالما أنه يخدم الواقع السعودي ويواكب متطلبات التحول الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المنشود. 

 

ولعل من المجدي هنا أن نستحضر مثالين مهمين للاستدلال والتأكيد؛ الأول هو نهج وقرار الاستثمار الرياضي الضخم ضمن رؤية 2030، والذي ووجه ولا يزال يُواجَه باتهامات غربية لا حصر لها، لكنه حقق للمملكة نمواً بنسبة 1% في الناتج المحلي الإجمالي، ومن ثم، فإن رؤية 2040، ستواصل ضخ المزيد من الاستثمارات في هذا القطاع، بل ستستهدف الوصول بهذه النسبة إلى 2.5% خلال السنوات القادمة، وسوف يساعدها على تحقيق هدفها، الزخم المستمر في استضافة الفعاليات الرياضية، كدورة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029، وكأس العالم لكرة القدم 2034، على خلفية واعدة من أجواء سياحية جاذبة تستهدف زيادة عدد السائحين إلى 100 مليون زائر سنوياً.

 

 أما المثال الثاني، فهو قرار ترحيب المملكة العربية السعودية بعرض الانضمام إلى مجموعة بريكس الاقتصادية بداية من 2024، انطلاقاً من إيمانها العميق بجدوى هذا الانضمام في خدمة المصالح السعودية على كافة المستويات والأصعدة، وذلك رغم كون هذا القرار يثير حفيظة الحليف الأمريكي في ظل وضعية دولية متأزمة تجاه روسيا، الأمر الذي يعني أن الرؤى الإصلاحية الجديدة للمملكة ستتجه أكثر في المستقبل، نحو اعتبار المصلحة الوطنية وعدم الالتفات لما دون ذلك. 

 

وفي إطار الطموحات السعودية الجديدة والمتجددة، ستواصل القيادة السعودية تهيئة الأجواء المناسبة لتحقيق المزيد من الإنجازات والأهداف الإصلاحية خلال العقد القادم وما يليه؛ حيث يتجه العزم نحو التركيز على محورين مهمين من محاور الإصلاح، ألا وهما محور البيئة النظيفة ومحور التكنولوجيا المتطورة، لا على سبيل الاكتفاء الذاتي والمحلي فحسب، وإنما على سبيل الوصول إلى مستوى مرض من التنافسية العالمية والدولية في هذين المحورين وفي غيرهما من محاور الإصلاح والتطوير الأخرى. 

اقرأ أيضاً: السعودية تعزز استدامة الطاقة بطرح وقود يورو 5 النظيف

البيئة النظيفة

على مستوى المحور الأول، وهو البيئة النظيفة، ستتجه استراتيجية 2040 في الغالب الأعم، إلى رفع معدلات الاعتماد على الهيدروجين الأخضر والطاقة النظيفة، وبالتالي تكثيف العمل لتطوير هذا القطاع، باعتباره جزءاً لا يتجزأ  من هدف تنويع مصادر الدخل وتعزيز الموارد غير النفطية، وأيضاً باعتباره ركيزة أساسية من ركائز الاستراتيجية الجديدة الهادفة إلى أن تصبح المملكة مورداً عالمياً رائداً وقوياً في مجال الطاقة النظيفة، خاصة مع تزايد الطلب العالمي على الهيدروجين الأخضر مثلاً، والذي يهيء فرصاً مستقبلية واعدة لاستقطاب استثمارات سعودية ضخمة ضمن منافسات السوق الدولية، والتي سيتجاوز حجمها السنوي 1.3 تريليون دولار بحلول 2050، بحسب تقارير عالمية. 

 

وخلال الاستراتيجية الجديدة انطلاقاً من استكمال مخططات الرؤية الحالية، سوف تسعى المملكة للانتهاء من بناء محطتها الأكبر عالمياً لإنتاج الهيدروجين الأخضر في مدينة نيوم، والتي ستتكلف أكثر من ثمانية مليارات دولار، تمهيداً لإنتاج أكثر من 590 طناً يومياً سنة 2026، وفي سبيل تحقيق الريادة السعودية في إنتاج الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر، ستحمل رؤية 2040، خططاً طموحة للمملكة نحو استثمار انضمامها القريب إلى المنتدى العالمي لتجارة الهيدروجين، والذي يضم مستوردي ومصدري هذه الطاقة النظيفة، وهو ما سيساعد المملكة في الوفاء بتعهداتها الدولية تجاه تحقيق هدف تحييد وتصفير الكربون بحلول سنة 2060.

 

التكنولوجيا المتطورة

 أما على مستوى المحور الثاني من محاور التطوير والإنتاج، ونعني هنا محور التكنولوجيا المتطورة، فإن الرؤية الجديدة 2040، ستكون معنية بتعزيز صناعة التكنولوجيا الدقيقة والفائقة، بالتزامن مع تعزيز مهارات السعوديين في البحث والتطوير التقني والعلمي، وسيتحقق ذلك في إطار صياغة جديدة و معايير مختلفة من تعزيز البنية التحتية والأطر القانونية وجودة الموارد البشرية واللوجستيات، وأيضاً من خلال استقطاب الشركات التقنية والتكنولوجية، وهو ما تحقق فيه المملكة نجاحاً كبيراً حتى الآن، فعلى سبيل المثال، تمكنت السعودية من تحقيق ريادة إقليمية خليجية في مجال الروبوتات الصناعية وتكنولوجيا الفضاء، بعد أن ارتفع عدد الشركات المسجلة من 1527 شركة عام 2022، إلى أكثر من 2344 شركة حالياً، الأمر الذي يُتوقع معه إيرادات قد تزيد على 20 مليون دولار سنوياً من هذه الصناعة، خاصة مع توقعات أخرى بارتفاع معدل هذه الإيرادات بنسبة 1.5 خلال السنوات الأربع القادمة.

وكان الروبوت (سارة) المؤنث، والروبوت (محمد) المذكر، هما أول الروبوتات ظهوراً في المملكة العربية السعودية خلال 2023/2024، وهو ما نجحت من خلاله شركة آرامكو في إطلاق أول نموذج صناعي للذكاء الاصطناعي في العالم. 

 

ومن جهة أخرى، أنشأت المملكة العربية السعودية صندوقاً بقيمة 200 مليون دولار بهدف الاستثمار في شركات التكنولوجيا، ومن المتوقع أن تساهم صناعة التكنولوجيا السعودية، في تسهيل كافة الخدمات ضمن مختلف القطاعات بما فيها قطاع الطاقة والتعليم والضيافة وخدمات الحج والعمرة والترجمة، بالإضافة لخدمات الرعاية الصحية؛ حيث نجحت مستشفى الملك فيصل التخصصي العام منذ أشهر ماضية، في إجراء جراحة روبوتية تم خلالها زرع رقائق في دماغ مريض يعاني من الصرع المقاوم للأدوية.

 

وتجدر الإشارة هنا إلى أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي، كان قد قام بإنشاء شركة آلات التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والمتخصصة في تصنيع أكثر من 30 فئة من المنتجات التكنولوجية الخادمة للأسواق المحلية والدولية، والمصنفة ضمن سبعة تقنيات وقطاعات استراتيجية رئيسة هي: الصناعات المتقدمة، وأشباه الموصلات، والأجهزة الذكية، والصحة، والأجهزة والمباني، والبنية التحتية من الجيل التالي، وذلك ضمن استراتيجية 2030، بهدف رفع إسهام الشركة في النتاج المحلي الإجمالي إلى 9.3 مليار دولار في الاستراتيجية، وهو ما سيتم مواصلة تطويره وتحديثه خلال رؤية 2040 الجديدة، والهادفة إلى تحويل المملكة لتصبح مركزا عالميا للإلكترونيات والصناعات المتقدمة.

اقرأ أيضاً: السعودية: إليك كل ما تريد معرفته عن شركة نساج للتطوير العقاري

استراتيجية ريادة

وإجمالاً، ستأتي رؤية المملكة 2040، محملة باهتمام سعودي أكثر ديناميكية وحضوراً وتركيزاً، من حيث الدفع بالتطوير والإصلاح والتقدم نحو اعتلاء منصات السبق والريادة والتنافسية العالمية والدولية، بما يحقق رفع إسهام الموارد غير النفطية إلى أكثر من نسبة الــ 50% المقررة ضمن الرؤية الحالية 2030، أي تضخيم هذه الإيرادات لتمثل أكثر من 70% من الناتج المحلي الإجمالي، وبحيث ستبدو الرؤية الحالية بالنسبة للرؤية الجديدة، كما تبدو المقدمة بالنسبة للإنجاز؛ إذ سيتطور الاقتصاد السعودي وفق استراتيجية 2040، ليقدم نفسه للعالم في ثوب تنافسي غير مسبوق،  كواحد من أقوى الاقتصادات العالمية الجاذبة للاستثمار، المهيمنة على الأسواق، والقادرة على توليد ملايين الوظائف، وإنجاز العديد من اتفاقيات التجارة الحرة، ما سيتعزز معه النمو في الصناعة والإنتاج، والتنوع في الموارد والثروات، ويصبح التقدم الاجتماعي علامة بارزة من حيث التأثير الإيجابي في مكانة المملكة الداخلية والخارجية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وكذلك في حياة المواطن السعودي المعيشية والإنسانية. 

X