كورونا وسنة خاصة قطعت بنا السبل
تابعونا على:

مقالات

كورونا وسنة خاصة قطعت بنا السبل

نشر

في

940 مشاهدة

كورونا وسنة خاصة قطعت بنا السبل

كتبتها: راضية بوزيان

 

يا لها من سنة خاصة خاصة جداً

استيقظت صباحاً على صوت المنبه

انها الخامسة صباحاً بتوقيت غرينتش.

استوقفتني رسالة الكترونية ارسلتها لي في الساعة الثالثة صباحاً، شركة الطيران

تعلمني فيها بان رحلتي المبرمجة من لندن إلى جنيف قد الغيت بعد اجتماع المجلس الفيدرالي السويسري في منتصف الليلة المنصرمة والذي قرر اغلاق المجال الجوي مع المملكة المتحدة!

نزل علي الخبر كالصاعقة، كيف لا وانا امضيت اسبوعاً كاملاً استعد للقاء احبتي، كيف! وابني ذو السابعة ربيعاً يتحرق شوقاً لإحتضان ابيه وابن عمه وجده وجدته وكل من تركهم في فرنسا من أجل ان يحذق هو واخواته البنات لغة شكسبير!

كثيرة هي الأسئلة التي راودتني وصدعت رأسي وشتت فكري! ما اكثر وساوس الشيطان في تلك اللحظات !

بدأ التوتر يتسلل إلي شيئا فشيئاً، تسارعت دقات قلبي وانا اتخيل موقف ابني عندما سأخبره بان الرحلة التي انتظرها طويلا قد ألغيت!

بالتأكيد انه سيجزع، لقد وضع حذاءه الجديد قرب وسادته وتحدث عن عودته إلى فرنسا مع كل اقرانه في المدرسة ومع مدرسته والمديرة والمساعدة والى جارتنا والى كل من يعرف ومن لا يعرف.

لقد مضى على قدومه الى بريطانيا اربعة اشهر كان الامر في البداية يبدو كإجازة بالنسبة له لكنه بدأ يحس بعد فترة، بأنه اقتلع من جذوره وغيّر موطنه واصبح في عداد المهاجرين رغم صغر سنه!

وبدات وطأة الفراق تشتد عليه وبدأ ألم البعد ينغص عليه تفاصيل حياته التي كان يعيشها مع أبيه وأبناء عمه ومع من يتكلمون نفس لغته!

إنها الهجرة وما تحدثه من اضطراب في النفس، وما تفعله لوعاتها، وبداياتها القاسية!

شعور لا يوصف لكنه يعاش ويحس، شعور نتنفسه كل لحظة

لان الهواء الذي اعتدنا تنفسه، تغيرت تركيبته فبات جديداً لم تألفه بعد حواسنا!

حواسنا المفعمة بذكريات الزمان والمكان الذي اعتادته، تصد كل الروائح العابرة، ولا تأنس بريح الغربة العاتية!

إنه فعلاً إحساس غريب لا يعرفه إلا من مر من هنا!

إستيقظ ابني بإبتسامة جميلة تعلو محياه

ولم يحدثني عن السفر ولا عن اي شيء!

ابدى عدم اكتراث لم افهم فحواه!

جلست افكر بعد ان قبلته، كيف سأشرح له الأمر، وبدأت في صياغة المقدمات في ذهنيبين تحليل واستطراد، حتى اصبحت اشعر بالغثيان!

حاولت ان انشغل بأشياء أخرى ولكن هيهات، اشباح الخوف تطاردني.

جلست قبالته وخرجت اول كلماتي مبعثرة، ولكنه وعلى غير عادته بدى هادئاً متقبلاً فقال لي حدث هذا لانني لم اصلي الاسبوع الماضي!

انهمرت الدموع من عيني فاخذ بصبر بالغ يدثرني ويمسح دموعي ثم قال :

لا بأس سنسافر غداً او بعد غدٍ !

لكنني اخبرته اننا لا نعلم شيئاً عن مسار حياتنا في الأيام القادمة وان الوباء لا يريد مغادرتنا حتى انه الفنا وبدا يتأقلم مع اجسادنا فطاب له المقام وبدا يتشكل باشكلٍ جديدةٍ يافعةٍ!

لست أدري إن كان استوعب كل ما قلته له. انا لا أعاتبه على ذلك ابدا.

فنحن الكبار لم نعد ندرك شيئا بين ساسة يتلاعبون بنا كارجوحة يشدوننا حينا ويطلقوننا أحياناً، وبين باحثين وعلماء واطباء يحاولون دون جدوى إيجاد حل يقضى على جرثومة لا ترى بالعين المجردة، تنغص علينا عيشنا وحياتنا.

تلك الحياة التي افتقدنا تفاصيلها ورتابتها تلك الحياة التي كنا نشكو من زخمها وفوضويتها.

كم نشتاق اليها وكم نحتاج لها!

إترك تعليقك

إترك تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

X